المعارف: «لا بد أن تخرج هذا الرجل من خدمة الحكومة» قال: «كيف؟ وماذا أصنع مع علماء الأرض، وهو عالم عالمي؟» ().
كذلك كانوا. زهدوا في الدنيا فجاءتهم الدنيا، وأعرضوا عنها فأقبلت عليهم، وهابوا الله فهابهم الناس، فكيف حالكم اليوم يا إخواننا الأزهريين؟
...
يا إخواننا، إن هذا الأزهر المعمور، لبث خمسمائة سنة من عمره، وهو منار العلم المفرد في الدنيا لولاه لتاهت في ظلمات الجهل، وهو حارس الدين واللغة، فأدركوه لا ينطفئ المنار، ويهجع الحارس، وتترك الدنيا للظلام وللّصوص.
يا إخواننا، ما عاش الأزهر ولا عزَّ بالعلم وحده، وما العلم بلا عمل؟ ولكن عزَّ بالتقوى وبالعمل وبالخلق المتين. لقد كانت لعلماء الأزهر أخلاق لا أقول ضاعت ولكن اختفت عن الناس تلك الأخلاق، كانوا يجلُّون مشايخهم فيجلهم الناس كلهم. هذا هو الشيخ الباجوري شيخ الجامع كان يجلس بعد المغرب في الصحن فيقبل عليه العلماء والطلبة يقبلون يده، وكان الشيخ مصطفى المبلط وهو أكبر منه، ناظره في طلب المشيخة ولم ينلها، يندس فيهم ويقبل يد الشيخ، فانتبه إليه مرة فأمسك به وبكى وقال: «حتى أنت يا شيخ مصطفى؟ لا. لا»، فقال الشيخ مصطفى: «نعم. وأنا! لقد خصَّك الله بفضل وجب أن نقره. وصرت شيخنا فعلينا أن نوقرك» (?)، وكانوا يقدمون العلم على المنصب، ويعرفون لأهله حقهم. هذا هو الشيخ الشربيني شيخ الجامع الأزهر يدخل مع الطلبة على الشيخ الأشموني حتى يلثم يده. وكان الأشموني ربما قال له: «إزّيك يا عبدالرحمن؟» فيكون الشيخ كأنما حيّته من فرحته بذلك الملائكة (1)، ولم يكونوا يدعون للعدو ثغرة يدخل منها إليهم، ويجعلون خلافهم إذا اختلفوا، بينهم. هذا هو الشيخ الأمير كانت بينه وبين الشيخ القويسني جفوة بلغت الحاكم، وزاره الأمير فسأله عنها، وأوهمه أن القويسني أخبره بها وكان