حسين باشا الجزائري، يصل مصر فيفر منه أمراؤها إلى الوجه القبلي، فيأخذ أموالهم كلها ولا يرضيه في عتوه وجبروته أن يستولي على عروضهم حتى يسطو على أعراضهم، فيقبض على نسائهم وأولادهم، ويسوقهم إلى السوق ليبيعهم زاعماً أنهم أرقاء لبيت المال، وكانت الأحكام عرفية، وسيوف الظلم مصلتة، ولواء البغي مرفوعاً، ولكن ذلك لم يمنع علماء الأزهر من إنكار هذا المنكر، ولم يرهبوا بطش الباشا وهم يرون أن أفضل الشهداء رجل قال كلمة حق عند إمام جائر فقتله بها، فمضوا إليه وتكلم الشيخ محمد أبو الأنوار فقال له: «أنت أتيت إلى هذه البلدة وأرسلك السلطان لإقامة العدل ورفع الظلم كما تقول، أو لبيع الأحرار وأمهات الأولاد وهتك الحريم؟»، فقال: «هؤلاء أرقاء لبيت المال». قال: «هذا لا يجوز ولم يقل به أحد» فغضب أشد الغضب وطلب كاتب ديوانه، وقال: «اكتب أسماء هؤلاء وأخبر السلطان بمعارضتهم لأوامره» فقال له الشيخ محمود البنوفري: «اكتب ما تريد بل نحن نكتب أسماءنا بخطنا» (?)، وكانت النصرة لهم عليه، فأحقوا الحق وأبطلوا الباطل، ووضع الله في قلبه هيبتهم، لأن من خاف الله خافه كل شيء. فكانوا بذلك (أجل من الملوك جلالة) (?)، وكانت إشارتهم للحكام أمراً، وطاعتهم عليهم فرضاً، حيث الشيخ محمد سليمان (?) أن أباه قدم لطلب العلم في الأزهر، أواخر أيام الشيخ إبراهيم البيجوري، فشكا إليه ظلم تلك الأيام، وما كان فيها من السخرة والمعونة فكتب له ورقة بمساحة إصبعين هذا نص ما كان فيها: «ولدنا مدير الدقهلية. رافعه من طلبة العلم يجب إكرامه، خادم العلم والفقراء. الخاتم (إبراهيم البيجوري)» فدفعها إلى المدير، فقبلها ووضعها على رأسه، ودفعت عنه هذه الورقة كل مظلمة، وأنالته كل مكرمة، ورفعت قدره عند المدير وعند الناس.
وكان الشيخ الأزهري موقراً في الجامع وفي البيت وفي السوق، ومبجلاً عند الطلبة والعامة والحكام، وكان أقصى أمل الطالب أن يخدم الشيخ وأن