وما هذا القصر لملك ولا أمير، ولكنه لتاجر من هؤلاء التجار الذين يحيون في أيام الحروب التي يموت فيها الناس، ويغنون حين يفتقرون، وينسون أن لهذا الكون إلهاً قادراً عادلاً جباراً، ما استقال ولا أحيل على المعاش، ولا يزال لهم بالمرصاد، وينسون أن الموت آت لامفر لهم منه، وأن قبل الموت المصائب والرزايا؛ الفقر والثكل والمرض؛ وأن بعد الموت الحساب، وبعد الحساب جهنم أو الجنة، أفبلغ بالتجار أن يعلنوا الحرب على الله؟.
إننا نعيش بحمد الله في منجاة من القتال وأهواله، والحرب وبلاياها، وما لنا عدو يحاربنا، وما عدونا إلا هؤلاء المحتكرون أعداء الله وأعداء البشر الذين حبسوا أقواتنا وأخفوا أرزاقنا، وارتضوا لنا أن نجوع وأن نعرى ليكنزوا الذهب والفضة ويطيفوا بها إضافة الوثني بصنمه، وليريقوا فيض ما لهم على أرجل بنات إبليس: (الأرتستات) الراقصات، وفي معابد الشهوة (المَلْهَيَات) ونوادي القمار، وفي كؤوس الحميم التي اسمها الشمبانيا والويسكي يحارون ماذا يشترون بمالهم من اللذاذات المحرمة، وفي أي يطرح من مطارح التبذير يلقونه، والموظفون والعمال لا يكادون يجدون ثمن الغذاء والكساء إلا موظفاً خان أو عاملاً سرق، فما حال الأرملة المفردة واليتيم الضائع، والشيخ الذي لا سناد له من مال أو ولد، وعندنا في دمشق من الأرزاق والبضائع ما لو أخرج لكفانا الحاجة سنين أخرى، بل إن عندنا كما أكد لي من يوثق به، بضائع لا تزال مخازنها منذ الحرب الماضية، والناس يحتاجون إليها والتجار يخفونها يرتقبون بها يوماً أشد، وضائقة أحكم، لا يدرون أن كل من أخفى بضاعة أو حبسها ينتظر بها ارتفاع الأسعار، وحرمها من هو في حاجة إليها فهو محتكر قَلَّ ما حبسه أو كثر، وهو عدو مؤذ، ولص سارق، وليس بتاجر، لأن التجارة كما يفهمها عقلي القاصر إنما تكون بنقل البضاعة من بلد تكثر فيه إلى بلد هي فيه قليلة، أو بجمعها في موسمها لبيعها في غير موسمها أو بشرائها جملة وبيعها تفاريق، ويأخذ التاجر الربح المعقول على ما بذل في ذلك من ماله ومن عمله، أما ما نراه اليوم من اجتماع النفر من التجار حول مائدة من الرخام في (قهوة الكمال) مثلاً، وفي أيديهم أقلامهم وفي أفواههم دخائنهم أو أنابيب نراجيلهم، يبيع أحدهم (بالة الخام) أو (كيس