من بقي من ساكنيها فراراً منها حين لم تعد دوراً وإنما صارت بركاً ومستنقعات.

سقوف بيوتي صرن أرضاً أدوسها ... وحيطان داري ركّع وسجود

وسمعت في الليل رجّة، اهتزت لها الدور، ورجفت منها القلوب، فقمت أستقرئ الخبر، فإذا دار جيراننا قد هوت.

ومضت ساعة، وأهل الحمية من الناس يعملون في الوحل والمطر والبرد، ليواسوا أسرة نزل بها القضاء، وينقذوا ما يستطيعون إنقاذه، من فرشها، ومواعينها، وذلك القصر ينظر إلينا ثم يعرض عنا، قد شغلته حفلة أقامها تلك الليلة لا أدري فيم أقامها، ولا تزال أنواره ساطعة في عيوننا، ونساؤه الكاشفات يتراءين لنا من وراء الزجاج في الحرير والذهب، وأصوات الغناء والمرح في آذاننا، يهزأ بالفقر وأهله، وتضحك وقحة في مآتمهم، وترقص فاجرة في مقابرهم، والسيارات تقف في بابه تنزل منها طاقات الزهر، وثمن كل طاقة يحيي الأسرة من هذه الأسر أياماً، والهدايا التي تذهب بالمال ولا تأتي بالنفع لوحات مصورة، وكؤوس منقوشة مذهبة، وتماثيل للناس وللبهائم، ولو وزعت أثمانها على فقراء الحي لم تدع فيه فقراء، والفضيلة قد توارت خجلاً في زاوية الطريق، وإبليس واقف يضحك مسروراً بأن سلب نفراً من أمة محمد فضائل دينها، ومروءتها، وأنْ ثأَر من آدم فجرد بعض بنيه من بشريتهم، وأحالهم شياطين في أجسام بشر، أو ذئاباً قد استخفت في الثياب، ولم أقل كلاباً لئلا أشتم الكلاب!.

ونعجب بعد هذا من إبراهيم بن أدهم لما أخرجوه ليستسقي لهم، وقالوا له قد استبطأنا المطر، فادع الله لنا، فقال: تستبطئون المطر؟ أنا والله أستبطئ الحجارة.

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015