برأسه، وهي تريد منه أن يحبس بقلبها، مع أن الناس كخطوط مستطيلة وفيها اعوجاج يسير، فإذا كانت متباعدة بدت للعين متوازية متوافقة تضيع من البعد هذه الفوارق الصغيرة بينها، فإذا تدانت وتقاربت، بانت الفجوات، فأنت تصحب الصديق عشرين سنة، فلا ترى بينك وبينه اختلافاً ثم ترافقه أسبوعاً في سفر، تنام معه وتأكل وتشرب فترى في هذا الأسبوع مالم تره في السنين العشرين، فتشنؤه وتبغضه وقد كنت تحبه وتؤثره.

والله لم يخلق اثنين بطباع واحدة، لا الصديقين ولا الزوجين، فليكن الزوجان متباعدين قليلاً، حتى لا يظهر الاختلاف بينهما وليكن بينهما شيء من الكلفة والرسميات ... كما يكون في عهد الخطبة وأوائل الزواج، ولتكتم عنه بعض ما في نفسها، فإنه ما تكاشف اثنان إلا اختلفا. وما زالت الكلفة إلا زالت معها الألفة، لأن المرء يتظرف ليظرف، ويتلطف ليلطف، ويساير الناس ليحبه الناس، فإن لم يفعل ثقل عليهم، وأنا أعرف رجالاً من أهل النكتة والظرف، يحرص الناس عليهم في مجالسهم لخفة أرواحهم، وحلاوة أحاديثهم إذا دخلوا بيوتهم كانوا أجهل الناس وجهاً، وأيبسهم لساناً، وأثقلهم نفساً وما ذاك إلا لإسقاط الكلفة، وإذهاب المجاملة.

وثالثها: أن الرجل يمشي في الطريق فلا يرى إلا نساء في أحسن حالاتهن قد طلين وجوههن، وجمَّلن ثيابهن، ثم يدخل داره، فيرى زوجه على شرّ هيئة، وأقبح صورة: مصفرة الوجه، قذرة الثوب، منغمسة في أوضاع المطبخ أو غارقة في غبار الكنس، فيظن أن نساء الطريق من طينة غير طينتها، وأن عندهن ما ليس عندها، فيميل إليهن وينصرف عنها، والدواء أن تكون المرأة عاقلة، فلا تجعله يراها إلا في الهيئة التي تخرج فيها من بيتها، وتستقبل عليها ضيفها، ولا تدعه يبصرها نائمة (?) ولا يراها بغير زينة، ولا يطلع عليها في مباذلها وأعمالها.

ورابعها: أنه لا بد لكل شركة أو جماعة من رئيس، فإن كان في المركب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015