الزوجة وتشرد الولد، أنه جاء من عمله فوجد الصبي على الباب، والباب مفتوحاً، وليس عنده أحد يمنعه أن يمشي فيضل في الحارة، أو تدعسه (?) سيارة أو تلفحه الشمس، أو يصيبه المرض، وتخيل ألف مصيبة قد حاقت بالصبي ونزلت به فاستحال حبه له حنقاً على أمه التي أهملته، وتركته على شفا الهلاك، ودخل مغضباً محققاً، وبدأها باللوم قبل السلام، وكانت قد نظفت الدار وأعدت الطعام، و (لبست ...) تنتظر وصوله، لتسعد بقربه، وتجد مكافأتها في شكره إياها ومسرته منها، فلما رأته مخاصماً تبدد أملها، وخاب ظنها، وسيطر عليها الغضب، حتى أعماها عن حادثة (الباب المفتوح) والخطر المرتقب، فلم تر فيها إلا حادثة تافهة، لم ينشأ عنها شيء ولم يأت منها ضرر.
وبدأ من هنا الخلاف، وتطاير الشرر.
يا سادتي ويا سيداتي: هذه صورة ترون كل يوم أمثالها، فاسمحوا لي أن أجعل حديثي هذه العشية تعليقاً عليها، وبياناً لها، وليست صورة غريبة عنكم ولا نادرة، بل الغريب النادر أن تخلو دار منها؛ وأنا قاض شرعي عملي أن أرى دائماً دخائل البيوت، وأن أطلع على أسرار الأسر، فصدقوني إذا قلت لكم، إني لا أعرف زوجين لا يختلفان، ولكن خلاف الأزواج كحريق في كومة من القش ملقاة في رحبة الدار، إذا أطفأته أو تركته وينطفئ همد بعد لحظة، وحمل الريح رماده، فلم يرزأك رزءاً، ولم يعقبك أذى، وإن هجته أو أدنيت منه ثوبك، أو قربته من بيتك، أحرق الثوب وخرب البيت، ولقد كان بيني وبين زوجتي اليوم خلاف كهذا، فقلت لها:
- تعاليْ أعينيني على كتابة مقالة؟
وكانت هذه المقالات ضرَّتها، فحسبتني أسخر منها، واندفعت تريد أن (تقول) ... فما زلت بها أكلمها بجد، حتى بدا عليها الاهتمام وقالت:
- وكيف أعينك؟