أشقى من الصباح إلى المساء فلا أجد من يقول لي: الله يعطيك العافية!

فهمّ الرجل بالانفجار، ثم تماسك وتجلد، وسكت على غيظ ومضض، ومشى الولد إلى الأريكة فتكوّم عليها، ودس وجهه في وسادتها، وراح يبكي بكاء خافتاً متصلاً موجعاً!

وعاد البيت ساكناً كما كان، ومرت دقائق، لمحت فيها على وجه المرأة ظلال نزاع عنيف في نفسها، بين شفقتها على ولدها، وغيظها من زوجها، ثم رأيتها تثب فُجاءة؟ فتمضي إلى غرفتها فتنبطح على سريرها وتنشج ... ويرفع الرجل رأسه، متعجباً منها، ويضيق صبره على هذه المسرحيات (تمثل) في بيته وهو يريده بيتاً فيه الهدوء والمحبة ولا يفهم سر بكائها وهي -عنده- الظالمة، فيمضي إليها بعد تردد، حتى يقوم أمام السرير منتصباً مربد الوجه، كأنه القائد العسكري في جنده، أو النائب العام في مقعده، ويقول لها بصوت بارد كالثلج متماسك كالجليد:

- وما آخرة هذه المساخر؟

وكانت تظنه قد جاء يواسيها في كربتها، ويعطف عليها، ويحاول أن يفهم ألمها، ويزيح همها، فلما سمعت ذلك منه، فقدت عقلها، فصاحت:

- مساخر؟ أنتم الرجال ليس عندكم وفاء، ليس لكم قلوب، إنكم ...

فنسي أنه أمام امرأة، وأنه أمام زوجة، وحسب أن الذي يقول له هذا الكلام قرن له أو خصم، فأجابها جواب الأقران، وكلمها كلام الخصوم، ولم يبق بينها وبين الطلاق إلا شعرة واحدة.

فذهبت إليهما فصحت بهما: بسّ، انتظروا، قولوا ما هي الحكاية؟

فنظرا إليّ، وحسباني (وأنا قريبهما) عفريتاً قد نبع من الأب ففزعا منه، ثم اطمأنا إليّ وعرفاني، وانطلقا يتكلمان بصوت واحد كلاماً متواصلاً متداخلاً، تتلاحق كلماته، كأنه السيل انهدم سدّه فاندفع، أو لسان النار غفلت عنه فاندلع، وما فهمت الحكاية حتى كادت نفسي تزهق ...

و (الحكاية) التي سببت هذه النكبة، وكادت تهدّ بيت الزوجية، وتطلق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015