للمواهب، لأن المدرس لا يستطيع أن يضحي بوظيفة هي سبيل حياته ومورد رزقه من أجل بحث أو فصل أدبي فيسكت على مضض، ويتوالى سكوته، فتموت قريحته، وتذهب ملكته، ولا يبقى فيه بقية لإنتاج. وإذا ذكرنا أن وضعنا الاجتماعي الشاذ ساق أكثر الشباب طوعاً أوكرهاً إلى وظائف الحكومة قدرنا مبلغ الخسارة الأدبية التي يُمنى بها الأدب، ومبلغ الأذى الذي يصيبه به (الأدباء الرسميون) الذين يعملون عمداً وبغير قصد على تقييد حرية الأدباء، وقتل المواهب، وسد الطريق على الناشئين المتأدبين ...
هذا وإن الأديب لا ينتج ولا يعمل إلا معتداً بنفسه واثقاً بها، وهذه العزة وهذه الكبرياء الأدبية هما عدة الأديب، فإذا خسرهما لم يصلح بعدهما لشيء. ومن نظر في حياة الموظف الصغير نظر مدقق ناقد، رأى أنه لا يستطيع أن يجمع بين إرضاء رؤسائه وبين الشعور بهذه العزة الأدبية، وما له من فقد إحداهما بدّ، وهو يؤثر (على الغالب) أن يفقد عزته الأدبية على أن يخسر وظيفته. وكم من موظف أديب نابغ معتد بنفسه، رأى ألوان الإيذاء، واتهم بالشذوذ والعناد، وعاداه صحبه ورؤساؤه، لأنه لم يبع كرامة نفسه وعزتها بهذا المرتب القليل؛ وربما كان هذا الموظف المغضوب عليه، المنسى المهمل، من خير الموظفين علماً وكفاية وقياماً بعمله، وحرصاً على الواجب عليه ... ولكنهم الرؤساء، أولئكم (الأدباء الرسميون) ...
***