تعتمدهم الحكومة وتثق بهم يُختارون دائماً من ذوي المنزلة الرفيعة في الأدب وممن لهم فيه تمكن ورسوخ لهان الخطب؛ ولكنهم قد يكونون على الضدّ ممّا قلت؛ بل قد يسيّر الأدب في وزارات المعارف من ليس بينه وبين الأدب رحم ولا قرابة ... فإلى أين يسير الأدب في حالة مثل هذه الحال؟ وكيف ندفع عن الأدب ذلك المصير المحزن؟
...
لقد أشار الأستاذ الزيات إلى هذه المشكلة وإلى دوائها؛ فرأى أن دواءها العدول عن (السياسة التقليدية التي اتخذتها الوزارة إلى اليوم في نظام التأليف وطريقة التفتيش واختيار المدرس) وتطهير التعليم (من المفتش الذي يعاقب على نسيان الهمزة وذكر الغزل، والمؤلف الذي يؤلف بسر الجاه ونباهة الاسم). وأنا أزيد أنه لا بد بعد ذلك من تصحيح مقاييس الناس وإفهامهم أن قيمة الأديب بإنتاجه ومواهبه، لا بوظيفته ومرتبه، وأن الأدب لا يقاس بهذه المقاييس الجامدة، ولا بد من التفريق بين شخصية المفتش والوزير الرسمية وبين شخصيته الأدبية؛ فأنا أرعى للوزير حق مكانته، وأعطيه كل ما ينص القانون على أنه حق له من الطاعة والاحترام. أما الوزير الأديب، والمفتش الشاعر، فإنهما عاطلان من هذه الحصانة، معرضان للنقد، أستطيع أن أدرس أدبهما وشعرهما كما أدرس أدب أي أديب وشعر أي شاعر، وأستطيع أن أحكم لهما أو عليهما، ولا يدخل في حساب النقد وظيفة عالية ولا مرتب ضخم. وإذا اقترح الوزير اقتراحاً في تعديل خطط التعليم، أو رأى رأياً يتبعه أذى للأدب أو خوف على مستقبله، فإنني أستطيع أن أناقشه وأرد عليه. وبغير ذلك لا تنمو المواهب ولا تثمر ثمرها، ولا يزدهر الأدب ولا يعطي أكله. بقي أمر واحد وهو حماية هذا الموظف الأديب الذي ينقد ويبحث، ويقوم بحق الأدب من غير أن يقعد عن حق الوظيفة، حمايته من انتقام الرئيس وتشفي المفتش، ولا يكون ذلك إلا بقانون ينظم علاقة الرئيس بالمرؤوس ويوضح لكل منهما ماله (بالضبط) وما عليه، أما إذا بقي أمر المدرس بيد المفتش والرئيس، وترفيعه وتنزيله تابع لرأيهما و (تقريرهما)، فلا حرية في البحث، ولا ازدهار في الأدب، ولا استثمار