زوجه وهي التي هجرت أهلها وفارقت عشها لتجعله أهلها من دون أهلها وأمنها ومفزعها، ثم إنها قد تكون بريئة لا ذنب لها ويجد أن أمّه لا ترضي عنه حتى يفارق زوجه، وييتّم أولاده، وزوجه لا ترضى عنه حتى يطرد أمه ويعصي ربّه، وهما خُطّتان أهونهما أصعب الصعاب، وخيرهما من شرّ الأمور وليس إلى إقناع إحداهما من سبيل، لأن للمرأة منطقاً خاصاً، يجعل بينها وبين الرجل هوة لا يلتقيان معها أبداً، ويدع الرجل وإقناع ألف رجل أسهل عليه من إقناع امرأة واحدة ...

والخلاف بينهما باق لا يزول، معروف لا يتبدل. فالأم تري أنها هي سيدة الدار لأنها الكبرى، ولأنها الأصل، وأن على الكنة التي أحضرتها بيدها واختارتها برأيها، أن تطيعها، وتعمل بإشارتها؛ والزوجة ترى أن الأم عجوز قد مضى زمانها، وذهبت أيامها، وأصبحت كالموظف التقاعد، له مرتب وليس له أمر ولا نهي، وأنها هي السيدة في الدار، وأن لها الرأي في إدارتها .. ثم إنهما تختلفان على قلب الرجل، فالأم التي عرفته وليداً، وربته طفلاً ويافعاً، وكان في وحدها، لا تطيق أن تراه وقد صار لغيرها، ولا تقدر أن تبصر نفسها فريدة في غرف الدار، كأنما أيكن لها ولد لأن ولدها خال بزوجته ... والزوجة التي أعطت زوجها قلبها كله وحبها وحياتها، ولم تجعل له شريكاً فيها، لا تستطيع احتمال هذه الشركة بينها وبين هذه العجوز، ولا يقنعها إلا أن يكون الزوج خالصاً لها ...

وما يقال في الأم يقال مثله مع الأخت، بل إن الأخت إذا كانت عانساً لم تتزوج، وإذا كانت على بقية من شباب، تكون أشد على الرجل من أمه، لأنها أقل منها حباً له وحناناً عليه، وأكثر منها غيرة لمكان الصبوة من نفسها، والأنها ترى امرأة غريبة تستمتع بالزواج الذي حرمت هي منه، ويكون هذا الزوج أخاها، غلبتها هذه الغريبة عليه، وحرمتها عطفه وحبه، فيكون حرمانها مضاعفاً ...

هذا وليس ينفرد أهل الزوج بإدخال الأب عليه، وتنغيص حياته الزوجية، بل يشارك في ذلك أهل الزوجة، يكرهون فتاتهم على الزواج بمن لا تريده، لعلو سنه عن سنها، أو قبحه وجمالها، فلا يحفلون إرادتها ولا يبالونها لأنهم يرونه غنياً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015