سقت إليك في الفصل الماضي طرفاً من حديث المشكلة، وانتهيت بك إلى الكلام على المشاكلة بين الزوجين، وأنها ركن كبير من أركان السعادة الزوجية، فإذا لم تكن مشاكلة، وكان بينهما اختلاف لا الغنى أو العلم أو الجاه كانت الحياة الزوجية موتاً بطيئاً. على أنه لا بأس أن يكون الزوج هو الأعلى في جاهه أعماله أو علمه، ولكن البأس كل البأس حين يكون الأدنى لأن الغنى والعلم والجاه من وسائل السلطان، فإذا كان ذلك للمرأة زاحمت الرجل على سلطانه، ونازعته رياسته ففسد الأمر، واضطرب حبل الودّ. وأحسب أن مبدأ الكفاءة في الزواج (في الفقه الإسلامي) هو الدواء لهذا الداء.
وأنا متحدث إليك ما هذا الفصل عن سائر أسباب الخلاف بين الزوجين، ولست أزعم أني متقصيها كلها أو محيط بها، فذلك ما لا أقدر عليه، ولكني ذاكر منها ما انتهى إليَّ خبره.
موقف أهله وأهلها:
فمن ذلك موقف أهله وأهلها، فإنه من أظهر أسباب الخلاف بين الزوجين وأكثرها انتشاراً بين ظهرانينا، حتى إنه ليبلغ منا العجب حين نسمع أن داراً تجمع بين الكَنَّة والحماة، ولا تجمع إليهما النكد والشقاق والبلاء تصبّه على الزوج صباً ... فلا يكاد يروح إلى داره ليجد فيها الراحة بعد تعب النهار، والهدوء بعد الكدح المضني، والكدّ المميت، حتى تستقبله المعارك والشكايات والدسائس، وما أكثر القراء به عالمون ... فيحار في أمره: لا يدري أيسوء أمه وهي التي حملته جنيناً، وربّته صغيراً، وأحبّته وجعلته أملها في حياتها، أم يسوء