النار ... بقي عليَّ المتحجبة من بنات الأسر، وهي التي لا سبيل إلى رؤيتها إلا ليلة الزفاف، بعد أن يكون الغلُّ قد استدار حول عنقي، والقيد قد أحكم إقفاله على يدي ورجلي، ولم يبق لي إلا أن أقبل بها ولو كان لها وجه قرد وأخلاق الشيطان!
أفهذا من المعقول؟
يريد المرء سفراً، فيتحرى عن أخلاق رفيقه أياماً، ليعلم أيوافقه أم يخالفه ويبتغي أجيراً فيراه ويبحث عن أصله وفصله، ويجرِّبه أياماً؛ ويعزم على أن يتزوج، فلا يرى رفيقة حياته ومهوى قلبه، وموضع حبه، إلا بعد أن يتمَّ كل شيء؟
مع أن الشرع أباح له أن يراها ويجالسها (?) ... ومع أنها تخرج إلى السوق فيراها (على خلاف الشرع) البائع ومن كان عنده، ويقدّم إليها القهوة ويحادثها ويراها عمال السينما، ويراها ... ويراها ... فما الذي حاق بالآباء حتى هان عليهم كل محرّم، وصعب عليهم ما أحلَّ الله؟
هذا هو المانع الثاني من موانع الزواج، بل إن هذا الوضع هو الذي سبب ما نرى من تبرج النساء وحسورهن، وعريهن على السواحل ... ولا علاج له إلا بحجاب شامل (وذلك ما لا يستطاع) أو بسفور شرعي، كالذي سماه صديقي الأستاذ عز الدين التنوخي بسفور الراهبات، وذكر أن الحشويين الجامدين، يقابلون من يفتى به بالسباب والشتائم، وذلك هو الواقع، فإن هؤلاء قائمون بالمرصاد لكل من يعرض رأياً في إصلاح حال المرأة الذي كاد يصل إلى حدّ العري المطلق، بل لقد بلغه فعلاً ... ولكنهم لا يأتون بأي رأي من عند أنفسهم، ولا يهتمون بما يرون، فهم هادمون ولا يبنون، وهم مفسدون لعمل كل مصلح ولا يصلحون ... ولله الحمد على أن ضعفت مُنّتهم، وخفتت أصواتهم، وبادت جماعتهم، ونسأل الله أن يبدلنا بهم علماء يفهمون روح الإسلام ويعرفون حقائقه، ويفهمون روح العصر ويعرفون حاجات أهله.