الخلاف العائلي:
فإذا يسر الله لامرئ سبيل الزواج، وأنجاه من هذه الموانع، عرضت له مشاكل، ورأى من المتاعب ما يندم معه على ما أتى، ولو ذهبت تتقصى أحوال المتزوجين ودخائلهم في بيوتهم لوجدت أكثرهم متألماً شقياً، ولهذا الألم أسباب يمكن تلافيها لو فكر فيها الزوج، وعزم على التلافي.
أول أسباب الخلاف:
أعرف أخوين: أما أحدهما فشيخ محافظ توفي، رحمه الله، من سنين طويلة، وأما الثاني فأديب موسيقي على الطراز الجديد. تزوج الأول، ولبث مع زوجه ستة عشر عاماً حتى توفي عنها ولم يكلمها على مسمع أهله كلمة، وإنما كان يوجه الكلام إلى أخته سائلاً حاجته، أو يأمر أخته أن تقول لها ما يريد، وألفت ذلك منه ورضيت به أو صبرت عليه. وكانت تخشاه كخشيتها الله أو هي أشد له خشية .. وأما الثاني .. لا، بل أكثر من عرفنا من الأزواج (المجددين) تتحكم بهم نساؤهم، فيأمرنهم وينهينهم، ويشتمنهم وقد يضربنهم! وهم يخافونهن ولا يجرؤون عليهن ..
أي أن الأزواج بين رجلين، رجل أعمل سلطته، وأهمل عاطفته، فكان في بيته سيداً، ولكنه لم يذق طعم الحب، ولا عرف السعادة الزوجية، ورجل تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبداً، وتفصيل ذلك أن الزوج هو الذي يحكم على نفسه، ويختار طريقه، فإذا دلل زوجه في الأيام الأولى، ومثَّل لها (دور العاشق في الروايات الخيالية)، ومنحها قياده، وأراها أنها حياته، وأنها الآمرة الناهية عليه، وتذلل لها وخضع، (ولذة الحب في التذلل والخضوع) ألفت ذلك منه، وتعودته .. فإذا طارت من رأسه سكرة الحب، وأحب أن يحكم في الدار، كما يحكم رب الدار، وجد الأمر قد أفلت من يده، فيبدأ الخلاف، ثم لا ينتهي أبداً. وإذا هو ضبط نفسه في الأيام الأولى، ولم يعط إلا بمقدار واستعمل عقله وسلطانه، ألِفت منه الزوجة ذلك، فوجدت كل عطف منه بعد ذلك غنماً كبيراً ..