ذلك نحوت في هذا البحث نحو العمل فلم أتعمق ولم أتفلسف! ومن أجل ذلك ضربت من الواقع أمثلة، وأخذت من الحياة شواهد وصوراً ... على أنها لا تغني المباحث، ولا تجدي الشواهد ولا الصور، ولا المقترحات ولا الآراء ما لم يحققها عقلاء الآباء، أو من لهم في الأمة أمر أو نهي، من أرباب الحكم وأصحاب السلطان!
موانع الزواج:
لو سألت أكثر العزّاب من الشبان: «ما منعكم من الزواج؟» لكان جواب الأكثرين إن لم أقل جوابهم أجمعين: «المهر، وما يتصل بالمهر من تكاليف وبلايا»، ولست أذهب بالقارئ إلى بعيد، بل أضرب له المثل من نفسي ...
أنا أريد الزواج، وأنا امرؤ في رأسه أشياء وليس في كيسه شيء ... أما الذي في رأسي، فقد أفنيت في تحصيله شبابي، وبيضت في طلبه لياليّ وسوّدت نُهُري، وخدعني عن حقيقته معلّمي فحسبته أثمن شيء في الوجود، وصدقت أن العلم خير من المال ... فرأيت من بعد أن المال خير من كل شيء ... وأما كيسي فما فيه وفر، ولكن فيه مرتباً يكفيني ويكفي بحمد الله أربع زوجات معي، لو أن الزوجة بقيت إلى اليوم شريكة الحياة وربة البيت، تطلب حياة هنيئة وزوجاً صالحاً، بيد أن هذا كله قد ذهب ... وصارت الزوجة (يا أسفي!) متاعاً يشري، ولا بد للمتاع من ثمن، فإذا أخذ الأب الثمن لم يبال بعده شيئاً، ومتى كان يبالي التاجر إذا استوفى الثمن بأخلاق الشاري أو سيرته في أهله؟ وثمن الزوجة (أقل ما يكون) خمسون أو مائة (ليرة) ذهبية، فتصور يا صديقي القارئ متى تجتمع لرجل مثلي مكساب متلاف لا يستطيع أن يمسك شيئاً، أو لا يفضل عن نفقته شيء؟ وليست هذه المصيبة كلها. إن بعدها نفقات العقد (الكتاب) وقبل العقد خاتم الخطبة، وما يكون إلا من الذهب، و (الشبكة) وما يصلح لها إلا حلية لها قيمة ... وبعد العقد الهدايا واللُّطَف يحملها إلى دار (الزوجة العتيدة) كلما زارها، ولا بد له من أن يزورها؛ ثم تأتي بلايا العرس، وما أدراك ما بلايا العرس: كسوة أهله وأقربائه ممن تجب عليه