المفردات، وفي تركيب الجمل، وفي طريقة النطق، ولغة حلب غير لغة حمص، ولغة حمص غير لغة حماة، وكلها تخالف لغة دير الزور، وهذه تخالف لغة البادية، فصار عندنا في الشام لغات في كل منها لهجات، فلهجة أهل دمشق غير لهجة أهل الغوطة، ولهجة هؤلاء ليست لهجة جبل القلمون، وفي القلمون عشرون لهجة تختلف اختلافاً بيناً، وفي كل منها شعر ... وأدب ... إي والله وموسيقى ... وقس على ذلك ألسنة لبنان وفلسطين والعراق ومصر والسودان والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش، واجمع هذه الألسنة بما فيها من اللغات واللهجات، تجدها تحتاج إلى عشرة أساتذة لهم كراسي في الجامعة، وتحتمل عشرة دبلومات، يكتب صاحبها على بطاقته (فلان، دبلوم اللغات العراقية) أو (دبلوم اللهجات اللبنانية) ... ودبلوم في أصول هذه اللغات ومصادرها، ودبلوم في نحوها وصرفها المقارن.

وعندئذ يكون شكوكو من أمراء الشعر الذين تدرس آثارهم في الجامعة، وإسماعيل ياسين من أمراء النثر، ويكون من تعبيرات النقد الجديد، أن نقول للكاتب المعقد الذي لا يفهم «إنه يكتب بالعربي» كما يقال في أوروبة عن الكاتب الفرنسي المحدث إذا أغرب وعقّد، أنه يكتب باللاتيني.

وعندئذ ينشأ في كل لسان، تراجمة يترجمون إليه الآثار العربية لتحفظ في المدارس، ويربى بها النشء على البلاغة كما ترجمت إلى الفرنسية آثار دانتي وفرجيل، فنحفظ الطلاب في دمشق قول المتنبي، مترجماً هكذا:

على أدّ أهل العَزْمِ بتجي العزايمْ ... وبِتْجي على أدّ الكرامْ المكارمْ

وقول شوقي في الأزهر، يصير:

أوم يتمّ الدنْيِه وسلّم عَ الأزهر ... ورشّ على ادْن الزمان الجُوهر (?)

بدلاً من:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015