ولكن المسؤول قبل الحكومات وأرباب البيان، والمجرم الأول، ومنبع الشر ورأس البلاء، إنما هو الأب، الأب الذي يرضى لبنته أن تتكشف وتتعرى، وتحتك بالشبان في الترام، وتشرب القهوة عند البياع في سوق الحرير، ويرسلها إلى مدارس يعلم فيها أدب بشار وأبي نواس شباب في أعصابهم مثل النار التي في أعصابها، ويبعثها في رحلاتهم التي تمتد أياماً وليالي، تنزل معهم في الفنادق، وتركب معهم في السيارات، وتؤم معهم المتنزهات، وتسمع (وكيف لا تسمع؟) الفاحش من نكاتهم، والبذيء من أغانيهم؟ وما أغانيهم إلا غزل في مثلها وتشوّق إليها، وهي في السن التي تصرخ فيها غريزتها، وتغلي دماؤها، ويتفتح للحب قلبها!
ولا يدري هذا الأب المغفل القَرْنان أن لست عاقبة هذا إلا فضيحة تقصم الظهر أو مرضاً يحمل إلى القبر، ثم إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى!
أقول: إن هذه المقالة شغلت الناس، واختلفت فيها آراؤهم، وكان من أعجب ما سمعت من التعليق عليها، أني كنت في الترام، وكان الترام في تلك الساعة خالياً، فسمعت حديثاً بين امرأتين في غرفة النساء، لا أراهما ولا تريانني، موضوعه التعليق على هذه المقالة، ولست أروي من هذا الحديث إلا كلمتين اثنين تدلان عليه، قالت الأولى:
- يُهْ! ما تردّي عليه؟ ينزل عليه الدم إن شاء الله، وعلى هالمشايخ كلهم!
- قالت الثانية: وانت ليش مهتمة فيه، مين رادد عليه؟ يبعث له الحمَّى يعني بدّو نرجع للورا، ونضيع النهضة النسائية ونرجع جاهلات متحجبات يتحكم فينا الرجال؟ فشر! إننا سنكسر راسه!
وليصدقني القراء إذا قلت لهم إن هذا كلامهما بالحرف الواحد! وأنا لا أحب أن أردّ هذه الشتائم ولا أحسن مثلها مع الأسف الشديد، إنما أحب أن أبحث في أصل الموضوع، أما رأسي فقد عجزت عن كسره أقلام كتاب فحول