من النجاح الصحفي ما أصابت هذه المقالة (في بلاد الشام)، فقد نفدَتْ نسخ «الرسالة» كلها في ساعات من نهار، حتى صارت النسخة تطلب بأضعاف ثمنها فلا توجد، وقرأ كل نسخة -فيما أقدِّر- أكثر من خمسة، ومن القراء من أخبرني أنه كان يعقد لها المجالس ليتلوها فيها كما تتلى المحاضرات، وسُرَّ بالمقالة جمهور من الناس ودعا لي من أجلها وأثنى عليّ وهنأني، وغضب منها جمهور من الناس ودعا عليّ وشتمني ولعنني، ورأى فيها إخواننا الرجعيون الخيّرون أنصار الفضيلة ترجمة آرائهم ولسان أفكارهم، ورأى فيها المجددون تجديد الباطل، المجردون أنفسهم وأهليهم من ثياب الستر، المبددون تراث الأجداد الماجد الثمين، سدّاً في طريقهم إلى غايتهم التي يدعون إليها، وبلاء صبّه الله عليهم، وخزياً لهم وغيظاً لقلوبهم، فقالوا: رجعي؛ وقالوا: مُشْتَه محروم ينفّس بهذا عن نفسه؛ وقالوا: فاجر يتستر بالدفاع عن الفضيلة، وما باليت كل ما قالوا ... لأني ما كتبت هذا المقال، وما قبله، ولا ألححت هذا الإلحاح على محاربة تلك المفاسد، ابتغاء رضا الناس، فأنا أعلم أن من تغضبه هذه الكتابات أطول يداً، وأشدّ سلطاناً، وأخذ لساناً، وأقدر (ولا يقدر إلا الله) على نفعي وضري، ولكني كتبتها، غضباً لله ولدينه ولمحارمه، وتنبيهاً لهذه الأمة الغافلة، أن يفتك بها ذلك الداء، وتحرقها تلك النار، ووطنت نفسي على حمل ما (قد) تأتيني به من الأذى، لا حمل الضعيف العاجز، بل المحارب المقاتل الذي لا تصيبه الضربة حتى يردها بعون الله عشراً. على أني إذا ذكرت الحكومات ورجالها، فلا أبرئ العلماء ولا الأدباء، فهم أولى باللوم، وأحمل للتبعة، إذ يسكتون عن إنكار المنكر، ولا يسخرون له ألسنتهم وأقلامهم، ولو أنهم أدّوا زكاة بيانهم دفاعاً عن الفضائل والأعراض وأثاروها داحسيّة بسوسيّة على الإباحية والفجور، لما حقت هذه اللعنة علينا حتى صار يقود ناشئتنا في دورنا وأسواقنا نفر من الفجار عباد إبليس، سموا أنفسهم كتاباً وصحفيين، وصارت لهم كتب تقرأ ومجلات، وما كتبهم ولا مجلاتهم إلا الترجمة الفنية لحديث المراقص والمواخير، وبيوت الخنا والزنا، وما يكون فيها من مشاهد وصور، تحملها كل يد إلى كل دار، فيقرؤها الشاب في المدرسة، والفتاة في الخدر، فتكون هادياً لهم إلى تلك البيوت وإماماً!