وما لها لا تضع، ثانياً، القوانين التي تؤدي إلى إبطال هذا التفاوت، وإلى رفع المنخفض وخفض المرتفع، حتى تقترب الدرجتان، وتتدانى كفّتا الميزان، فتعمل بالإسلام في أخذ الزكاة من الأغنياء وردها على الفقراء، وحينئذ تأخذ هذه الـ (أربعين ألف جنيه) قسراً بلا رجاء ولا شكر، أو تعمل عمل الأمم الغربية، فتكثر الضرائب على الدخل وعلى المواريث وتشرف على المعامل والشركات والمصارف، ويكون لها الرأي في كل ما يمس المصلحة العامة وهذه (اشتراكية) ليست من مبادئ الإسلام، ولكنه لا يمنعها إن دعت إليها ضرورة، والضرورات لها أحكام، وتعريف الضرورة وأحكامها، مبين في كتب الفقه ليس هذا موضع بيانه.
ورابعها: سؤال عقلاء مصر وقادتها، ألا تخافون أن تأتيكم هذه الحال بالشيوعية؟ ألا ترون بوادرها؟ ألا تعرفون أخطارها؟ ألا تقدرون أضرارها؟ فلماذا تلبثون نائمين ولهيب النار يقترب من منازلكم، فلا يلبث أن يشعلها عليكم، فيجعلكم فيها كالمجوس في الجحيم؟
إن الناس لا يقبلون على الشيوعية عن معرفة بها، ولا عن حب لها، ولكن دعاتها رأوا ما هم فيه، وعلموا أنهم يتمنون أن يجدوا الخلاص منه ولو على يد الشيطان فأوهموهم أن الشيوعية هي سبيل الخلاص، وأنها طريق السعادة وأنهم إن كانوا دعاتها ملكوا بها قصور الأغنياء، وحقولهم وسياراتهم، فلذلك تعصبوا لها ولا يدرون ماذا فيها، فهم منا كما قال عبدالله بن عمر، لمن لامه على ترك مؤازرة ابن الزبير في دعوته إلى الإصلاح: أرأيت بغلات معاوية الشهب اللائي يحج عليهن؟
قال: نعم. قال: ذلك ما يريد ابن الزبيري!
إنهم يئسوا منكم ومن دينكم، فأروهم أنكم معنيّون بهم، وأن دينكم لا يرضى ما هم فيه. إن الإسلام دين العدالة، دين المساواة، دين الخير، أفنرضى أن يستعبد بعض الناس بعضاً في قرن العشرين الميلادي، وقد أنكر ذلك عمر في القرن الأول الهجري؟