صدرها وطلعت روحها، وهي تأمل أن تجيء لتنفس عنها، فإذا أنت تركض إلى القهوة ...
قال: ما هذا يا أستاذ؟ أنت قاض وتقضي عليّ، قبل أن تسمع مني؟ أو تظن أني أفر من الدار لولا أن الدار صارت عليّ جحيماً؟ أو تحسب أن هؤلاء الذين تمتلئ بهم القهوات يتركون بيوتهم لو كانت بيوتهم جنات، وهل يهرب أحد من الجنة؟ إني أكدح النهار كله، أقاسي هم الكسب، ومعاناة الناس، فلا ينتهي النهار حتى يكون قد نفذ صبري، وضاق صدري، فأمشي إلى الدار أرجو أن أجد فيها الأنس والسلام، فلا أجد إلا الحرب والخصام، إن أبدت المرأة للضيوف لطفها ورقتها كان حظي منها غلظتها وشدتها، وإن أرت الأجانب عندما تخرج جمالها، لم أر منها أنا زوجَها إلا قبحها وابتذالها، كان كل خير فيها لغيري وكل شرّ فيها لي، فمن ذلك أفرّ؟
- قلت: لو فررت إلى أنس وطيب لعذرتك، أما هذا المكان الفظيع الشنيع ...
- قال: ثق أني لو اضطررت إلى ما هو أفظع وأشنع، لما ترددت في الإقدام عليه على أن أخلص من البيت ونكد البيت.
- قلت: عجيب والله، أما أنا فلو دعيت إلى أبهى السهرات، وأعظم الحفلات، لما آثرت ذلك على بيتي.
- قال: لعلك مستريح في بيتك فلا تبغي منه بديلاً.
- قلت: اي والله، أنا مستريح، ولله الحمد.
- قال: أفتظن أن الناس كلهم أمثالك، أو تحسب أن كل أهل كأهلك توفر لزوجها الراحة والهناء.
- قلت: وأنت هل تريح امرأتك وتهنيها؟ ألا تشكو هي منك مثل الذي تشكوه أنت منها؟ وإذا كنت تفتقد الحب والعطف، فإن أقرب طريق يوصلك إلى الحب والعطف، أن تبدأ أنت فتحب وتعطف، فهل جربت هذا مرة؟
- قال: وماذا أصنع سألتك بالله؟