ولما صرنا في الشارع، ونشقت الهواء، واستراحت أذناي، تشهدت وقلت له: هل تجيء القهوة كل يوم؟
قال: كل يوم!
قلت: أعوذ بالله. وما تجدون فيها؟
قال: نأكل ونشرب ونلعب ونتسلى مع الإخوان.
قلت: ولم؟ أو ليس في دارك ما تأكله وتشربه، أليس لك زوج وأولاد تلاعبهم، وتتسلى بهم؟
قال: طعام القهوة أشهى.
قلت: ولم كان أشهى!
قال: إن معه الفجل والبصل والنعنع والمخللات والمقبلات.
قلت: هذا كله عند الخضري، فلم لا تأتي به إلى الدار، وتأمرهم أن يقدموه إليك مع الطعام؟ وما هو ذنب امرأتك وأولادك حتى تتركهم كل ليلة؟ تهجر بيتك وأنسه وهناءه، وتأوي إلى هذه القهوات التي تصمّ الآذان وتحطم الأعصاب، لا ترجع إلى دارك حتى يكون الأولاد قد ناموا، وربما تأخرت في الصباح فلم تقم من منامك حتى يكونوا قد ذهبوا إلى مدارسهم، فلا يرونك ولا تراهم إلا مرة في الجمعة، فكأن هذه القهوة قد فجعتهم بك، وحرمتهم منك، وصيرتهم أيتاماً وأبوهم حيّ.
وتشكو بعد ذلك أن زاغ الأولاد، أو ساءت أخلاقهم، أو فسدت تربيتهم؟ تترك التعب كله للمرأة المسكينة، فلا يكفيها هم الطبخ والنفخ، والكنس والمسح وهمُّ الأولاد واكتنّ (?) واهدأ، طول النهار، حتى تهجرها في الليل؟
إن المسكينة لا تصل إلى المساء حتى يكون قد انهد جسمها، وضاق