- قال لي: عجباً، أراك في القهوة؟.
- قلت: هذا حكم القدر.
وضحكت وقصصت عليه القصة، ثم أخذنا نتحدث، فكان عن أيماننا إثنان يلعبان بالنرد (الطاولة) (?)، وكلما نقلا حجراً خبطاه خبطاً منكراً، فأحسّ بصوته (طَخّ) كأنه ضربة على رأسي، وعن شمائلنا آخران، يلعبان الورق وحولهما جماعة من الشباب، وكلما ألقى أحدهما ورقة صرخوا صرخة أشعر كأنها تثقب طبلة أذني، ومن ورائنا حلقة فيها نوادر، فكلما جاءت نادرة قهقهوا قهقهة ترج القهوة رجّاً، وخلال ذلك، ترتفع الصيحات (من عاوز ميّ؟) (واحد قهوة مظبوط)، (شاي خفيف)، (هات بصّة)، (نَفَس عجمي لهون)، (عشّي)، (مين بدو عشّي!) والراديو يزلزل الجوّ بأغنية من أغاني فريد الأخرس - عفواً أقصد الأطرش! وما كان ثمّة إلا من ينفخ من فمه أو من أنفه دخاناً، فكل رجل مدخنة، والهواء فاسد مفسد، فما مرّت عليّ عشر دقائق حتى أحسست كأنْ قد دير بي (دخت)، وأن أعصابي قد تحطمت، فقمت لأذهب.
قال صاحبي: إلى أين!
قلت: إلى حيث ... إلى حيث أجد الهواء، والهدوء، والراحة ...
قال: ألا تشرب شيئاً؟
قلت: قد شربت كأس الأذى حتى الثمالة فدعني أخرج، فما بقي بي طاقة على الاحتمال ...
قال: أخرج معك.
قلت: تفضل.