أذيعت سنة 1958
ليس هذا بالحديث الذي يعلو بسامعيه إلى سماء الفن والعاطفة والفكر ولكنها قصة من قصص البلد، لا ترتفع بهم عن أرض الواقع، إنه مشهد من مشاهد الحياة، وكذلك تكون أحاديث الإذاعة، يوماً من الماضي ويوماً من الحاضر، ومرّة للاستمتاع بجمال الفن، ومرة للعمل على إصلاح المجتمع، ومن لم يجد فيه ما يبتغي، فليرقب آخر فلعلّه الذي كان يريد.
وهذه القصة أنه حكم عليّ البارحة بلا ذنب أذنبته، ولا جرم ارتكبته، وأبلغت القرار بنفيي وإبعادي عن الدار، التي أنا (ولا فخر) ربّها وصاحبها، وأنذرت بألا أعود إلا إذا مال ميزان الليل، ودنا السحر، ذلك أن الدار كانت تعجّ بالمدعوّات إلى حفلة نسائية (?)، فكأنها الحمام قد انقطع عنه الماء ولو أنه سمح لي لما أطقت البقاء، وكنت امرأ حليف البيت ورفيق الكتاب، أعود إلى بيتي من قبل المغرب، وأن أنا سهرت مرة في الشهر أو الشهرين، فإنما أسهر إلى الساعة العاشرة لا أعدوها، فكيف أمضي أكثر الليل خارج الدار، وإلى أين أذهب؟ حرت في أمري، وضاقت عليّ السبل، ثم أزمعت دخول قهوة من هذه القهوات ...
وقصدت قهوة كنت أعرفها، فدخلتها متردداً مستحيياً، أحسب أن عيون الناس كلهم قد توجهت إليّ، وأنظارهم قد انصبت عليّ، أدور بين المجالس أكاد أتعثر بنارجيلة أو سهوة (طربيزة) حتى وجدت صديقاً لي رآني فقام يستقبلني هاشاً باشاً متعجباً، ودعاني فجلست ...