أئمتنا وأساتذتنا نحن العرب في لغتنا، في اللغة والنحو والصرف والبلاغة، وجعل منهم كبار شعرائنا وكتابنا، ولا أحب أن أمثل بأبي عبيدة وسيبويه والزمخشري وبشار وأبي نواس وابن الرومي، فإن المسألة أشهر وأعرف من أن يمثل عليها، وما ثَمّ متعلم إلا وهو يعرفها ويسوق عشرات الأسماء شاهداً عليها.
ونحن اليوم لا نرى جماعة من المسلمين إلا وهم يعرفون العربية أو يعرفها علماؤهم على الأقل معرفة فقه بها وفهم لها وتوسع فيها، في الصين وتركستان وبخارى والهند وجاوه. وهذا كله من أثر الإسلام.
...
فليس بين العربية والإسلامية ما يدعو إلى هذا الخلاف المستمر بين الدعاة إليهما، إنما الخلاف بيننا وبين من يحاول أن يجعل من القومية ديناً يناوئ به الإسلام، أو يجعل من العربية أخوة يستغني بها عن أخوة الإسلام، يريد أن بفك بأصابعه العقدة التي عقدها الله من فوق سبع سماوات، حين قرر أن المؤمنين أخوة، وأن الأخوّة هي أخوة الإيمان، لا أخوّة اللغة والجنس واللون والبلد. وأن نقطع صلتنا بأربعمائة مليون من إخواننا المسلمين غير العرب لنسترضي بهم مليونين من العرب غير المسلمين، وهؤلاء العرب غير المسلمين عاشوا معنا، راضين عنا، ألفا وثلاثمئة سنة ما قالوا شيئاً، حتى جاءت بدعة القومية، وجاء القوميون منا يقولون عنهم ما لم يقولوا هم أنفسهم.
الخلاف بيننا وبين من يخالف أحكام ديننا، وكتاب ربنا. وأذن يكون خلافاً بين كفر وإيمان، لا بين عربية وإسلامية ونحن نأبى الكفر سواء أكان صاحبه أعجمياً أو كان عربياً قرشياً هاشمياً.
وكان أول من نبهني إلى هذا الغلو منا في النفور من كل دعوة عربية، خالي الأستاذ محب الدين الخطيب أول دعاة العربية في مطلع هذا القرن، وأول دعاة الإسلام بعد ذلك، وقال لي، إنكم تخليتم عن قيادة الدعوة العربية، وتركتموها لهؤلاء فصبغوها بهذه الصبغة الجاهلية، وأنتم في الحقيقة أهلها وأنتم أحق بها.