كسرى؟ وغمدان والخورنق والسرير؟ أين هذا من الحضارة التي أقامها محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه، والبطولات التي أظهروها، والمجد الذي بنوا، فأرسوا أسسه على الصخر وساموا بشرفاته النجم، وتركوه يزاحم بمنكبه في ميدان الخلود الدهر.
إن غير المسلمين من القوميين لا ينكرون، إن الذي أخذ بيد العرب حتى دلهم على طريق المجد، وسلك بهم مسالك الفتح، ووضع في رؤوسهم فكر العالم، وبين أصابعهم قلم الكاتب، وألبسهم تاج السيادة في الدنيا، وأقعدهم مقعد الأستاذية من البشر جميعاً، هو محمد صلى الله عليه وسلم.
فلننظر إلى أشد المسلمين بعداً عن العربية، أعني الأعاجم، هل يستطيع أحد منهم أن ينكر أن محمداً عربي، وأن القرآن عربي، وأن الله كان أعلم حيث يجعل رسالته، ولو كان في الأرض أولى بها من العرب لجعلها فيهم، إنه لم يختر لها المتمدينين الذين يعيشون في المدائن في ظلال الإيوان، ولا في القسطنطينية بجوار الأبراج والقباب، ولم يختر لها رجلاً من بلاد الكروم والأعناب، ما اختار إلا هذا الشعب الصحراوي القوي العبقري الذي لم يتعفن برطوبة المدن الموبوءة، ولم يتلوث بأوضار الحضارة المزورة، بل بقي على الفطرة، على خلال الخير وسلائق الطهر، وأنه هو الذي حمل المصباح الذي أوقده محمد عليه الصلاة والسلام، فضوأ به للدنيا كلها طريق الحق والعدل والخير، وأن القرآن الذي يتلونه في صلاتهم عربي، لا يفهم إلا بتعلم العربية، وأن الكعبة التي يتوجهون إليها، ولا يرون أمنية تعدل الحج إليها والتعلق بأستارها، هي بنية عربية في بلدة عربية، وأن الأرض التي انبثق هواءها ووطئ حصاها، ثم ثوي بين أحشائها هي أرض عربية؟.
لذلك ترى المسلمين في كل بلد يحبون العربي، ويتبركون به، ولقد رأيت العجائب من ذلك، رأيتها بعيني لما ذهبت إلى باكستان والهند والملايا وأندنوسيا.
ولذلك جعل الإسلام كله بلد فتحها، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب بلداً عربياً بلسانه، عربياً بقلبه، وجعل من غير العرب من هم اليوم