إنه ليس بن العربية والإسلامية تناقض ولا تضاد، بدليل أني (أنا نفسي) عربي وأني مسلم، وأن الصفتين قد اجتمعتا فيّ، فلو كان بينهما تناقض أو تضاد، لكنت مناقضاً نفسي وهذا محال. وأكثر القراء يجمعون في أنفسهم بين الصفتين فهم عرب، وهم مسلمون. والرسول صلوات الله عليه وصحبه كانوا عرباً وكانوا مسلمين. والقرآن كتاب الإسلام وكتاب العربية، فهو الدين لمن أراد الدين، وهو البيان والبلاغة لمن أراد البلاغة والبيان.

وإذا شئت تحديد الرابطة بين العربية والإسلامية، وجدت بينهما باصطلاح أهل المنطق عموماً وخصوصاً من وجه، ولا أحب أن أكون رقيعاً فأخاطب جمهرة القراء باصطلاحات المنطق، بل أحب أن أقرب الأمر إليهم، فأصوره لهم دائرتين كبيرة وصغيرة، والصغيرة وسط الكبيرة، إلا هلال منها خارجاً عنها، فإذا رمزنا بالكبيرة للإسلام، وبالصغيرة للعربية، أن العربية تنطوي في الإسلام إلا جانباً منها، فهناك ما هو عربي إسلامي، وما هو إسلامي غير عربي، وما هو عربي غير إسلامي، وإذا لم يكن بد من الاختلاف والتنازع، فبين المسلم العربي وغير العربي غير المسلم، أما نحن المسلمين العرب، فإننا نناقض أنفسنا حين نفرق بين صفتين قائمتين بنا، ونحن قائمون بها، ونجعل للتناقض سبيلاً إلى الدخول بينهما.

والفكرتان من التداخل بحيث لا يكاد يظهر الخلاف بينهما، وبحيث أن أشد الناس بعداً عن الإسلام من غلاة القوميين، أعني من النصارى وممن لا يدين بالإسلام، لا يستطيع أن يجرد العربية من الإسلام، وماذا يبقى له من العربية إذا لم يكن فيها محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه وأتباعه الذين فتحوا الأرض، وشادوا المدائن، وأقاموا هذه الحضارة، وإذا لم يكن فيها القرآن، الذي وضع هذه العلوم كلها.

ما الذي يبقى من العربية إن لم يكن فيها محمد والقرآن؟.

هل تبقى إلا المعلقات وبطولات حرب البسوس التي لم تزد على (خناقة) في حي، وموقعة ذي قار التي طار العرب فرحاً بها، حين غلبوا فيها فصيلة جند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015