لهم فيها إن العرب كانوا أضل أمة فهداهم الله بهذا الدين الذي نتشرف جميعاً بالانتساب إليه، والذي منع دعوة الجاهلية، وحرم العصبية ... إلى أن قلت لهم: فتعلموا العربية لا من أجل هؤلاء القوميين من العرب، بل من أجل محمد الذي تحبونه، والقرآن الذي تقرؤونه، واللُه الذي تعبدونه.
ففاضت العيون بالدمع، وخشعت القلوب، وامحت الكراهية من الوجوه وصار درس العربية أحب الدروس إليهم.
وذهبت مرة إلى السليمانية سنة 1938 وهي قصبة الأكراد، فمررت في آخر السهرة على مسجد فيه عين ماء لنشرب منها، وكانت ليلة صيف، وكان معي شباب يجادلونني في العربية والإسلامية، فوجدنا على بساط في أرض الجامع شابين كرديين من طلبة العلم الديني منبطحين على وجهيهما وأمام عيونهما مصباح وكتاب في أصول الفقه، فيه عبارة معقدة، فهما يحاولان فهمها وتفسيرها، ويستعينان بإعرابها ورد ضمائرها إلى مكانها ...
فقلت: ألا ترون؟ إن هذين يشتغلان بلغتكم العربية أكثر من اشتغالكم أنتم بها، لأنها عندهما دين، فهل تستطيعون أن تجعلوا فتى كردياً غير متدين يقبل باسم قوميتكم هذه على العربية؟ فسكتوا.
من الوجهة التاريخية:
ثم إني أحب أن أسأل من هم هؤلاء العرب الذي تفخرون بهم، وتعتزون بأمجادهم. هل هم عرب الجاهلية والعهود التي كانت قبلها، والتي لم يدركها نور التاريخ، ولم يصل إليها علم المؤرخين إلا قليلاً؟ أم عرب دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة، وهاتين المدن والمدارس والمكتبات والمؤلفات، وذلك العلم والأدب؟
أما الجاهلية، فإنا لا نعرف شاعراً واحداً فيها ذكر العرب أمة، وافتخر بالعروبة جنساً. إنما كان فخر كل شاعر بقبيلته، ببكر أو بتغلب أو بعبس أو بكندة، وهذي هي المعلقات، وهذه أشعار الجاهلية، فهل فيها فخر بالعرب؟