من الوجهة الإسلامية:
والإسلام لم يكتف بإسقاط الجنسية من حسابه، بل لقد حاربها، ومنع كل دعوة إلى عصبية جنسية أو قبلية، وسماها دعوة الجاهلية. وجاء منذ أربعة عشر قرناً بما انتهى إليه العالم اليوم، حين أسقط حواجز القوميات وأقام كلاً من كتلتيه على عقيدة ومبدأ، فقسم الإسلام الناس إلى قسمين: الذين آمنوا، والذين كفروا. ووجه الخطاب إليهم، بهذا العنوان؛ فكان من الذين آمنوا -وهم أفراد الدولة الإسلامية- رجل رومي (?) هو صهيب، ورجل حبشي هو بلال، ورجل فارسي هو سلمان، ثلاثة رموز للدول الكبرى يومئذ. وكان من الذين كفروا العربي القرشي الهاشمي عم محمد وأخو أبيه وابن جده أبو لهب. وكان لهؤلاء الثلاثة منزلة رفيعة في الدولة الإسلامية، فكان بلال وزير الدعاية يعلن مبادئ الإسلام (بالأذان) خمس مرات كل يوم. وكان سلمان معدوداً على لسان النبي من أهل بيت النبوة. ونزل في شتم أبي لهب قرآن فنحن نقرأ في صلاتنا ذم أبي لهب.
ولكن الإسلام لم يطمس الوقائع التي تجعل للعروبة مكاناً ظاهراً في دولته فالنبي عربي، والعرب قومه ومنهم أصحابه الأولون الذين نشروا الدين، وأبلغوه أهل المشرق والمغرب. والقرآن كتاب عربي، والحج إلى بلد عربي، فكل مسلم مضطر بذلك إلى حب العرب وتقديرهم، وتعلم لسانهم، وزيارة أرضهم.
ولولا الإسلام ما انتشرت لغة العرب، ولا أقبل الناس عليها، حتى أن مسلمي الصين اليوم يتكلمون العربية. وعرّب الإسلام آلاف المدن، فهل يستطيع شباب الدعوة العربية اليوم أن يعربوا قرية واحدة تركية أو كردية باسم العربية؟
ولما نقلت إلى شمال العراق: إلى كركوك، كان الطلاب كارهين لدرس العربية ومدرسها لما كان يسوؤهم به من الدعوة إلى القومية العربية وهم أكراد وأتراك. فلما دخلت أحسست هذه الكراهية في نفوسهم، فخطبتهم خطبة قلت