الغربيين حتماً في مذاهبهم، ونفكر برؤوسهم، بل مجاراة لمن يقول بذلك من الشباب وقلباً لدليلهم عليهم، وإلا فنحن نعلم أن لدينا من رأي الإسلام في إقامة الدولة ما هو أصح من رأي رينان صحة، وأكثر نفعاً لنا، وتحقيقاً لمصلحتنا، وإن كان رأي رينان هذا لا يبعد كثيراً، ولعله أخذه من رأي الإسلام الذي كان على إلمام بأحكامه.
الدولة عند رينان لا يبنى على الأرض وحدها، فرب دولة معترف بها تكون أرضها محتلة فيها أعداؤها. ولقد شاهدناها في الحرب الأخيرة دولاً كثيرة بلا أرض، وكان في مصر طائفة منها، كل دولة في جناح من فندق شبرد. ونشاهد الآن دولة عموم فلسطين. ولا تبنى على اللسان فإن أمامنا دولاً فيها أكثر من لسان كسويسرة، ودولاً لها لسان واحد كإنكلترا أو أمريكا؛ ولا على الدين (كما يفهم الغربيون: من حيث هو صلة بين العبد وربه)، فقد تتعدد الأديان في الدولة وتتعدد الدول في الدين، بل على ما سماه (الإرادة المشتركة) فكل كتلة جمع بين أفرادها تاريخ واحد وأمل واحد، وكانت موحيات تاريخها، وكانت مطامحها في مستقبلها، متشابهة في نفوس أفرادها، كانت هذه الكتلة أمة وحق لها أن تنشئ دولة. وشرح هذا المتن الموجز معروف مشهور.
فلنبحث عن هذه الإدارة المشتركة في الكتلة العربية وفي الكتلة الإسلامية؟ هل للعرب إرادة مشتركة؟ هل تتحد موحيات الماضي ومطامح المستقبل في نفوس العرب جميعاً؟ إذا قرأت أنا وعربي من جبل لبنان الماروني تاريخ الغزوات الصليبية. فهل يكون أثر هذا التاريخ في نفسي مثل أثره في نفسه؟ هل يطمح مثلي إلى الوحدة، ويشاركني في المثل الأعلى الذي أتمثل المستقبل عليه؟
من الوجهة الواقعية:
بل تعالوا ننظر إلى الواقع، هل استطاعت جامعة الدول العربية بعد هذه السنين الطويلة والمحاولات الكثيرة، أن تجد لها هذه (الإرادة المشتركة)؟ الجواب: لا.