لذلك أجهدت ذهني، وكددت فكري، حتى استطعت إدراك جوهر الخلاف بين الفريقين. وما ذاك عن جهل مني بحجج الطرفين وأقوالهما، فلقد حفظتها من كثرة ما سمعتها وناظرت فيها، بل لغموض صورة الدعوة العربية حتى في أذهان أصحابها، وأنهم حين يكتبون فيها، أو يجادلون عنها، يأتون بشيء هو إلى الفلسفة الغامضة، والخطابيات الفارغة، أدنى منه إلى التعريف العلمي الواضح. حتى عند فيلسوفهم ومفكرهم الأول ساطع الحصري.
جوهر الخلاف:
وجوهر الخلاف إنما كان على بناء الدولة. هل تكون إسلامية، ويكون الإسلام هو الرابطة بين أفرادها فيدخل فيها المسلمون جميعاً ويكونون أمة واحدة، أم تكون عربية، وتكون الرابطة رابطة الجنس، فكل عربي هو منا ولو لم يكن مسلماً، وكل أعجمي ليس منا ولو كان مسلماً؟
أي أن ثمرة الخلاف كما يقول الفقهاء، في العربي غير المسلم، والمسلم غير العربي، أيهما الذي يجب أن نتولاه نحن العرب المسلمين؟
الرابطة الإسلامية أقوى من القومية:
والحقيقة، أنه ليس بين الإسلام والعربية تناف ولا تباين، وأن المسلمين أمة واحدة وأنها أشد تماسكاً، وأدنى إلى الوحدة من مجموع العرب، وأن هذا الخلاف ليس له ثمرة، لأن العرب غير المسلمين، عاشوا معنا، وسيعيشون معنا، ما ضقنا بهم ولا ضاقوا بنا، وما ظلمناهم ولا شكوا من ظلمنا، وإن هم ظلمونا وكانوا مع كل عدوّ لنا معه علينا، وأن الشباب المسلمين هم أحق الناس بحمل لواء العربية المسلمة، والدفاع عنها، والعمل على تمجيدها، وفيما يلي تفصيل هذا الإجمال:
من الوجهة النظرية:
إن في (نظرية الدولة) آراء كثيرة يدرسها طلاب كليات الحقوق أشهرها رأي رينان. ونحن نطبقه على هذا البحث، لا لأننا نجد لزاماً علينا أن نتبع