نشرت سنة 1946
سيقول القراء من المصريين: ما العربية وما الإسلامية، وهما شيء واحد؟ ومن قال بالعربية قال بالإسلام؛ لأن العربية لم تكن شيئاً مذكوراً لولا الإسلام. ومن قال بالإسلام قال بالعربية؛ لأن الإسلام دين، نبيُّه عربي، وقرآنه عربي، وقبلته في بلاد العرب. والنداء إلى التوجه إليها بلسان العرب؟!
لا يدري القراء من المصريين أن هذا حديث المجالس في الشام والأندية والمدارس، لا يمر يوم دون مناظرة فيه بين الشباب المسلمين الذين يحسبون أن من الإسلام محاربة الفكرة العربية وترك قيادها لغيرهم، والشباب القوميين الذين يظنون أنهم يستطيعون تجريد العربية من الإسلام والدعوة إليها على أنها قومية من القوميات.
وكذلك كانت الحال لما كنا ندرّس في مدارس العراق حين اشتدت الدعوة القومية على عهد سامي شوكت (في وكالة وزارة المعارف) واستجاب لها المدرسون خوفاً وطمعاً. ومنهم من استجاب لها عن إيمان بها، ولم يبق ثابتاً على إسلاميته إلا ثلاثة: عبدالمنعم خلاف، ومظهر العظمة، وعلي الطنطاوي، نقلوا جميعاً إلى شمال العراق، إلى مناطق الأكراد. فاستقال الأول وعاد إلى مصر؛ وعاد الثالث إلى الشام بعد شهور؛ وثبت الثاني إلى نهاية حركة رشيد عالي الكيلاني.
غير أن الفرق بيننا وبين العراق، أن الدعوة القومية هي الغالبة على شبابه والقوميون الملحدون قلة في الشام. وأكثر أهل الشام يقولون بالإسلام وبالعربية. والكلمتان على لساني أنا وكتاباتي من أكثر من ربع قرن، كالمترادفين؛ أقول الإسلام وأريد العربية، وأكتب العربية وأقصد الإسلام.