ثم يقرّر الإمام عبد القاهر المصطلح الدقيق في التأثر، للاحتذاء ويفرق بينه وبين السرقة والأخذ فالاحتذاء عنده أن ينظم شاعر معنى في أسلوب، ثم يتناول شاعر آخر هذا النظم في نظم من عنده لذلك أنكر ابن الرومي ادّعاء البحتري بالسرقة والأخذ في بيت أبي نواس:

ولم أدر من هم غير ما شهدت لهم ... بشرقي ساباط الديار البسابس

فقد أخذه الشاعر من قول أبي خراش الهذلي:

لم أدر من ألقي عليه رداءه ... سوى أنه قد سل من ماجد محصي

وقال ابن الرومي لأبي نواس، فقد اختلف المعنى فيهما، قال أبو هلال العسكري الذي حكى الخبر، فهذا من حلى الأخذ والحذو مع أن حذوا الكلام حذوًا واحدًا، وأما الأخذ والسرقة عنده، فهو ألا يكون في المعنى جديدًا، حينما ينظم شاعرًا على مثال آخر، ويتفق معه في النظم والمعنى ويكون الفضل للسابق.

يقول الإمام: واعلم أن الاحتذاء عند الشعراء وأهل العلم بالشعر وتقديره وتمييزه، أن يبدأ الشاعر في معنى له وغرض أسلوبًا -والأسلوب الضرب من النظم والطريقة فيه- فيعمد شاعر آخر إلى ذلك الأسلوب فيجيء به في شعره فيشبه بمن يقطع من أديمة فعلًا على مثال فعل قد قطعها صاحبها فيقال: قد احتذى على مثاله ... وحكى العسكري في صنعه الشعر أن ابن الرومي قال: قال لي البحتري: قول أبي نواس، ثم ذكر البيتين السابقين. قال فقلت: قد اختلف المعنى فقال أما ترى حذوًا واحدًا، وهذا الذي كتبت من حلي الأخذ في الحذو 1".

ثم يفصل الإمام المعنى بين الأخذ والمأخوذ فيجعله قسمين:

أ- قسم أنت ترى فيه أحد الشاعرين فيه قد أتى بالمعنى غفلًا ساذجًا، وترى الآخر قد أخرجه في صورة تروق وتعجب.

وهو القسم الأول الذي يكون المعنى في أحد البيتين غفلًا، وفي الآخر مصورًا مصنوعًا، ويكون ذلك إما لأن متأخرًا قصر عن متقدم، وإما لأن هدى متأخر لشيء لم يهتد إليه المتقدم ومثال ذلك قول المتنبي:

إذا اعتلّ سيف الدولة اعتلّت الأرض ... ومن فوقها والبأس والكرم المحض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015