مع قول البحتري:
ظللنا نعود الجود من وعكك الذي ... وجدت وقلنا اعتلّ عضو من المجد1
ب- وقسم أنت ترى كل واحد من الشاعرين قد صنع في المعنى، وصور من الأمثلة لهذا القسم قول لبيد:
وأكذب النفس إذا حدثتها ... إن صدق النفس يزري بالأمل
مع قول نافع بن لقيط:
وإذا صدقت النفس لم تترك لها ... أملًا، ويأمل ما اشتهى المكذوب2
وبهذا كله يحسم الإمام القضية، ويبين في غير خفاء الأخذ القبيح والأخذ الحسن ويميز بين السرقة والأخذ وبين الاحتذاء.
والاحتذاء هو المحمود عنده، وهو الذي ينبغي أن يرعاه الشعراء لا الأخذ والسرقة، وهما مذمومان عنده، والاحتذاء وإن كان فيه أخذ إلا أن الشاعر قد جدد في المأخوذ، وابتكر في بعض أجزائه، بينما الأخذ في السرقة تجديد فيه ولا ابتكار.
وفي الاحتذاء نوعان: -
أحدهما: التأثر وقد ذكره الآمدي حينما مدح البحتري في معانيه التي أخذها من أستاذه أبي تمام وصاغها من طبعه، ولم ينكر عليه ذلك فقال: غير منكر لشاعرين متناسبين من أهل بالدين متقاربين أن يتفقا في كثير من المعاني3".
والنوع الثاني: وهو التوليد: وضحه ابن رشيق بقوله "والتوليد أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدمه، أو يزيد فيه زيادة، فلذلك يسمى التوليد، وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره، ولا يقال له أيضًا سرقة، إذ كان ليس آخذًا على وجه4".
إذن فالسرقة والأخذ هما أحسن أنواع التأثر لما فيهما من التقليد وانعدام شخصية الشاعر، والتكرار الذي يبعث الملل في النفس، ويأخذها بالضيق والسأم.
وإما الاحتذاء فهو أشرف أنواع التأثر لأن فيه خلقًا وابتكارًا في جانب، وتقليدًا واتباعًا في جانب آخر، وتبعًا لذلك ربما يسمو متأخر في تصويره عن متقدم حذا حذوه.