واحتذاه، لا سرقة وإنما السرقة تقع في التماثل التام بين النظم الأول والثاني يقول:

ولقد غلطوا فأفحشوا، لأنه لا يتصور أن تكون صورة المعنى في أحد الكلامين أو البيتين، مثل صورته في الآخر، ألبتة، اللهم إلا أن يعمد عامد إلى بيت، فيضع مكان كل لفظة منه لفظة في معناها، ولا يعرض لنظمه وتأليفه، كمثل أن يقول في بيت الحطيئة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

ذر المفاخر لا تذهب لمطلبها ... واجلس فإنك أنت الآكل اللابس

ذلك لأن بيت الخطيئة لم يكن كلّا ما وشعرًا من أجل معاني الألفاظ المفردة التي تراها فيه مجردة معراة عن معاني النظم والتأليف، بل منها متوخي فيها إلخ 1.

ثم يرجع الإمام باللائمة على أنصار المعنى، الذين لا يحفلون إلا بالمعنى، وأن الأخذ بالسرقة إنما تقع فيه، فمن أخذ معنى من آخر من غير أن يولد منه معنًى جديدًا، أو يستوحي منه لطيفة طريقة، يعدّ سارقًا وآخذًا، فإن من ولد فيه أو استوحى منه معنًى آخر، لم يكن سارقًا، ويقولون بأن من أخذ معنًى عاريًا كان أحق به، ولذلك كتب المرزباني "فصل في هذا المعنى حسن" وبيَّن لهم الإمام أن ليس الاعتبار في التأثر بالمعنى وحده، لأنه لا يتصور أن يكون هناك معنًى عاريًا من غير لفظ يدل عليه، ولا يتصور أن يأتي واحد منا بمعنى يلفظ من عنده ابتداء به، ولو صح له ذلك فهو أولى به من غيره وينسب إليه.

يقول الإمام: ومما إذا تفكر فيه العاقل أطال التعجب من أمر الناس، ومن شدّة غفلتهم حيث ذكروا الأخذ والسرقة أن من أخذ معنًى عاريًا فكساه لفظًا من عنده، كان أحق به.... وهو كلام مشهور متداول يقرؤه الصبيان في أول كتاب عبد الرحمن2 ثم لا ترى أحدًا من هؤلاء الذين لهجوا، بجعل الفضيلة في اللفظ يفكر في ذلك فيقول: من أين يتصور أن يكون هنا معنى عار، من لفظ يدل عليه، ثم من أن يعقل أن يجيء الواحد منا لمعنى من المعانى بلفط من عنده، إن كان المراد باللفظ نطق اللسان ثم هب أنه يصح له أن يفعل ذلك فمن أين يجب إذا وضع لفظًا على معنى، أن يصير أحق به، من صاحبه الذي أخذ منه إن كان هو لا يمنع بالمعنى شيئًا، ولا يحدث فيه صفة ولا يكسبه فضيلة....

وفي كتاب "الشعر والشعراء" 3، للمرزباني فصل في هذا المعنى حسن قال: وعن الأمثال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015