ولكنه ردَّ على أنصار اللفظ من حيث هو لفظ مفرد لا يشترك مع غيره في النظم المتلاحم والتركيب المتسق، وبيَّن الإمام أن كلًّا من الفريقين: نصير المعنى وحده، ونصير اللفظ وحده كان سببًا في اختناق النقد لفترة طويلة، وإنهما أخطأ من شأن التصوير والنظم وجمال التأليف.

وأنصار اللفظ مستقلًّا يرون أن الشاعر إذا تأثر بآخر في ألفاظه -الألفاظ المفردة- يعدّ آخذًا ومحتذيًا لا مبتدئًا، ولو أتت ألفاظه المأخوذة من غيره على نظم يختلف عما تأثر به، لأن خيال الشيء عندهم هو الشيء نفسه وهم في ذلك لا يفرقون بين السرقة والاحتذاء، وإن كان كلاهما أخذ، فهم كما يراهم الإمام: "مثل من يرى خيال الشيء فيحسبه الشيء، وذلك أنهم قد اعتدوا في كل أمرهم على النسق الذي يرونه في الألفاظ، وجعلوا ألا يحتفلون بغيره، ولا يعولون في القصاحة على شيء سواء حتى انتهوا إلى أن زعموا أن من عمد إلى شعر فصبح فقرأه ونطق بألفاظه على النسق الذي وضعها الشاعر عليهم، كان قد أتى به الشاعر في فصاحته وبلاغته، إلا أنهم زعموا أنه يكون في إتيانه به، محتذيًا لا مبتدئًا1.

ويوضح لهم الإمام خطأهم في اهتمامهم باللفظ كلفظ، فيذكر الاعتبار الصحيح في استعمال الألفاظ وهو النظم، فمن تأثر بنظم آخر وعلى مثاله يعد أخذًا، ومن لم يتاثر بالنظم وإن تأثر بالألفاظ لا يعد آخذًا بل محتذيًا، فالمتأثر بالألفاظ من غير ارتباطها بالنسق النفسي والمعنوى غلط وإفحاش. يقول الإمام عبد القاهر:

"ونحن إذا تأملنا وجدنا الذي يكون في الألفاظ من تقديم شيء فيها على شيء إنما يقع في النفس، أنه نسق إذا اعتبرنا ما توخى من معاني النحو في معانيها فأما مع ترك ذلك فلا يقع ولا يتصور مجال 2".

وعلى ذلك لا تصح المفاضلة بين العبارتين التي وقع فيها التأثر والتأثير في الألفاظ مفردة، ولكنها تقع المفاضلة بين نظم وآخر يختلف عنه وإن اتفق في الألفاظ، فلكل منها صورة تخالف صورة الآخر ألبتة، ويسمى ذلك عند الإمام عبد القاهر تأثرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015