الإبداع الفني للشاعر، الذي به يستحق المعنى وينفرد بالصورة ولو كان المعنى قد ملت منه الأسماع، وتلاقت عنده العقول.

والاطمئنان الإمام لما وصل إليه، وهو غاية ما وصل إليه النقاد العرب، أخذ بعض قضية التأثر في كتابه دلائل الإعجاز بصورة أوسع وأبعد عمقًا، وقد بناها على فكرة النظم وعلاقات الألفاظ التي اعتمد عليه الكتاب كل الاعتماد.

ويربط التأثر بمشكلة النظم، وضحت أنواع التأثر وانكشفت معالمه وظهر الفرق بين السرقة والأخذ وبين الاحتذاء والتوليد والتأثر.

وأساس الاختلاف في مفاهيم أنواع التأثر، يرجع عند المتقدمين على الإمام إلى قضية اللفظ والمعنى، فمن نصر اللفظ منهم جعل السرقة في التصوير والتعبير، ما لم يولد الشاعر في المعنى أو يستوحي أو يتأثر بالاتجاه العام فقط، فإن فعل واحدة منها، لا يتهم بالسرقة، ويحكم على تصويره بقدر درجة جودته، ومدى التباعد بين السابق واللاحق، والمعنى عندهم يستوي فيه كل الناس فالمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ فالشعر صياغة وضرب من التصوير كما قال الجاحظ في ردِّه على أبي عمرو الشيباني نصر المعنى1.

ومن نصر المعنى جعله بحال السرقة والتأثر فيه وإن فرق أنصاره بين المعنى المشترك العام والمعنى الخاص إلا أن المعنى عنده هو أساس الشاعرين أو اختلافهما فيه وانفراد أحدهما به عن الآخر وإن اختلف التصوير، وتباينت التراكيب وتغاير النظم، ومن أنصار المعنى أبو عمرو الشيباني وابن قتيبة 2.

وبانتصار عبد القاهر لفكرة النظم، وصل إلى الغاية في تحديد أنواع التأثر والسرقات وقرب فيها إلى الكمال، وردّ على أنصار المعنى وكشف عن أخطائهم في انتصارهم للمعنى وحده، الذي اختنق بسببه النقد لفترة طويلة وانحطّ شأن التصوير والنظم والجمال والتأليف ولهذا فهو يؤيّد الجاحظ الذي انتصر للفظ والصياغة، لأن المعاني في الطريقة تعرفها الناس جميعًا، لا فرق بين حضري وبدوي، وعربي وعجمي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015