في المعنى حكم العموم الذي تقدم ذكره من ذلك التشبيه بالأسد في الشجاعة، وبالبحر في السخاء. ..
وإن كان ما ينتهى إليه المتكلم بنظر وتدبر، ويناله بطلب واجتهاد ولم يكن الأول في حضوره إياه، وكونه في حكم ما يقابله، الذي لا معاناة عليه فيه، ولا حاجة به إلى المجادلة والمزاولة والقياس والمباحثة والاستنباط والإستنارة، بل كان من دونه حجاب إلى خرقه بالنظر، وعليه كم1 يفتقر إلى شقة بالتفكر ... نعم إذا كان هذا شأنه وههنا مكانه وبهذا الشرط يكون إمكانه، فهو الذي يجوز أن يدعى فيه الاختصاص والسبق والتقدم والأولية، أن يجعل فيه سلف وخلف، ومفيد ومستفيد، وأن يقضي بين القائلين فيه بالتفاضل والتباين، وأن أحدهما فيه أكمل من الآخر وأن الثاني زاد عن الأول أو نقص عنه وترقى إلى غاية أبعد من غايته، أو انحط إلى منزلة هي دون منزلته 2".
ثم يبين هذا التدبر والإهمال والمعاناة في قوله: "فالاحتفال والصنعة في التصويرات التي تروق السامعين وتروعهم، والتخيلات التي تهز الممدوحين وتحركهم، وتقول فعلُا شبيهُا بما يقع في نفس الناظر، إلى التصاوير التي يشكلها الحذاق والتخطيط والنقش، أو بالنحت والنقر، فكما أن تلك تعجب وتخلب وتروق وتونق ... كذلك حكم الشعر فيما يصنعه من الصور، ويشكله من البدع ويوقعه في النفوس من المعاني، التي يتوهم بها الجامد الصامت، في صورة الحي الناطق ... حتى يكسب الدنيء رفعة والغامض القدر نباهة 2".
وبه أبو هلال العسكري قبل عبد القاهر إلى هذا الاتجاه في التأثير، وأن العبرة عنده مكسورة المعنى من الصياغة والألفاظ وعنهما تكون السرقة والتأثر.
ويرد أبو هلال الأخذ الحسن إلى أن يكسي التابع معنى المتبوع تعبيرات من عنده، أو يصوغه صياغة جديدة أو يضفي عليه زيادة في حسن تأليف وجودة تركيب وتمام حلية 1، إلا أن عبد القاهر جعل الصورة الأدبية هي عماد التأثر بأنواعه المختلفة، وموطن