إذا غزا عدوا كان الظفر له، وكان هو الغالب، والآخر نوع، وهو طمع الطير في أن تتسع عليها المطامع من لحوم القتلى، قد عمد النابغة إلى الأصل، الذي هو علم الطير بأن الممدوح يكون الغالب نذكره وصريحًا وكشف عن وجهه، واعتمد في الفرع الذي هو طمعها في لحوم القتلى وإنها لذلك تحلق فوقه على دلالة الفحوى، وعكس أبو نواس القصة نذكر الفرع الذي هو طعمها في لحوم القتلى صريحًا فقال كما ترى "ثقة بالشبع من جزره" وعول في الأصل الذي هو علمها بأن الظفر يكون الممدوح على الفحوى، ودلالة على علمها أن الظفر للممدوح هي في أن قال: "من جزره" وهي لا تثق بأن شبعها يكون من جزر الممدوح حتى تعلم أن الظفر يكون له، فيكون شيء أظهر من هذه في النقل من صورة إلى صورة1"؟
ولعل القارئ الكريم معي في نقل النص كله كاملًا هنا؛ لأنني أقصد ذلك وأعنيه فالمقام هنا يستدعي ذكر هذا النص الذي يكشف عن وجهة نظر الناقد ورأيه في الصورة الأدبية، لأنني في مجال بيان مفهوم الصورة عند النقاد القدامى المفترى عليهم حديثًا في أنهم لم يفهموا معنى الصورة الأدبية، ولم يتذوَّقوها ولعلَّ النص الأخير للإمام يعطي لنا صورة صادقة عن وعيه التام بالصورة الأدبية فهمًا وتذوقًا وتحليلًا أدبيًّا وتطبيقًا في الشعر العربي على اختلاف صوره، وقد أثبت الفرق الكبير بين اختلاف الصورتين مع أن الغرض واحد وهو الظفر الممدوح وهما في نفس الوقت صورتان بارعتان ورائعتان، ثم ذلك الاعتداد القوي بالصورة الأدبية في الموازنة والتقدير، والحكم على صاحبها بالسرقة أو بالإنكار فيها، مع إهمال اللفظ منفردًا؛ إذ لا قيمة له وحده في الشعر والتصوير، وإنما تكون له إذا ظهر دوره مع غيره في النظم والصورة،