وإما لأن هدى متأخر لشيء لم يهتد إليه المتقدم ومثال ذلك قول المتنبي:
بئس الليالي سهرت من طربي ... شوقًا إلى من ببيت يرقدها
مع قول البحتري:
ليل يصادفني ومرهفة الحشا ... ضدين أسهره لها وتنامه1.
والقسم الثاني: ذكر ما أنت ترى فيه في كل واحد من البيتين صنعة وتصويرًا وأستاذية على الجملة، ويُورد أمثلة كثيرة منها قول النابغة:
إذا ما غدا بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب
جوائح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الصفان أول غالب
مع قول أبي نواس:
يتأبَّى الطير غدوته ... ثقة بالشبع من جزره
قال عمرو الوراق لأبي نواس: "أما تركت للنابغة شيئًا حيث يقول:
إذا ما غدا بالجيش: البيتين فقال "أي أبي نواس": اسكت فلئن كان سبق فما أسأت الاتباع.
يقول عبد القاهر: وهذا الكلام من أبي نواس من دليل بين في أن المعنى ينقل من صورة إلى صورة ذلك؛ لأنه لو كان لا يكون قد صنع بالمعنى شيئًا لكان قوله فما أسأت الاتباع محالًا، لأنه على كل حال لم يتبعه في اللفظ.
ويبين عبد القاهر بعد ذلك الفرق بين الصورتين البارعتين فيقول: "ثم إن الأمر ظاهر لمن نظر في أنه قد نقل المعنى عن صورته التي هو عليها، في شعر النابغة إلى صورة أخرى، وذلك أن هاهنا معنيين أحدهما أصل، وهو علم الطير بأن الممدوح