وبعدُ فهذا ما وصل إليه النقد العربي القديم في شخص الإمام عبد القاهر -لتوضيح مفهوم الصورة الأدبية التي نبعت في النهاية من النظم المحكم الجيد، وبيان أراكانها ومعالمها وخصائصها عن طريق التحليل للنصوص الأدبية وإيراد النماذج القوية من الصور، والتعرف على خصائص الجمال والجلال فيها من غير قصد إلى التبويب أو العنونة لها والنص الصريح، أو التقعيد لخصائصها وأركانها، هذا هو ما ينقص النقد القديم في تناوله لمفهوم للصورة وليس عيبًا، لأنه كان يمثل مرحلة من المراحل التاريخية في التعرف عليها وبيانها وتوضيحها.

وفي نهاية المطاف مع الإمام عبد القاهر، نُجمل ما وصل إليه في توضيح الصورة الأدبية والتعرف على خصائصها وذلك في إيجاز:

أولًا: أنه أعطى للفظ حقَّه، كما أعطى للمعنى حقه كذلك.

ثانيًا: أنكر الإمام إتيان الصورة من اللفظ وحده، كما أنه ينبغي ألا يكون جمل الصورة راجعًا إلى المعنى فقط.

ثالثًا: اللفظ عنده تابع للمعنى وعند ابن خلدون وغيره أن المعنى تابع للفظ والأصح ما ذهب إليه الإمام لأنه مجال لظهور العبقريات في التصوير، والواقع أن بينهما فوارق كبيرة أهمها:

أ- الصورة الأدبية عند الإمام تشكل في الذهن أولًا، ثم تبرز إلى الخارج بعد انتظامها، بعكس رأي ابن خلدون، فهي عنده تشكل خارج الذهن، لأن الأديب يجمع ألفاظًا قد تفرّقت هنا وهناك، وأحيانًا يخطئ الغرض بذلك الجمع الخارجي.

ب- الصورة عند الإمام ما دامت داخلية أولًا، فيكون للعقل والعاطفة والمشاعر أثر في حيويتها وقوتها، بينما نجدها على رأي ابن خلدون ربما لا يعمل فيها غير العقل، في عملية جمع الألفاظ لتحقيق غرض ما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015