لأن اللفظ للفرد، لا يمكن أن يخفى المعنى، إنما الذي يخفيه النظم والصورة ولو كان المعنى معادًا على صورته وهيئته وكان الآخذ له من صاحبه لا يصنع شيئًا غير أن يبدل لفظًا مكان لفظ، لكان الإخفاء فيه محالًا؛ لأن اللفظ لا يخفى المعنى، وإنما يخفيه إخراجه في صورة غير التي كان عليها1".

وكذلك ليست العبرة بمعنى اللفظ في نفسه وذاته، بل في نظمه وصورته كما لا يكون الذهب بنفسه وإنما بصورته خاتمًا كان أو سوارًا يقول الإمام: "وجملة الأمر أنه كما لا تكون الفضة خاتمًا، أو الذهب سوادًا أو غيرهما من أصناف الحليّ بأنفسهما ولكن بما يحدث فيهما من الصورة، كذلك لا تكون الكلمة المفردة التي هي أسماء وأفعال وحروف كلامًا وشعرًا من غير أن يحدث فيها النظم الذي حقيقته توخّي معاني النحو وأحكامه 2".

وتأسيسًا على ذلك يضع الإمام عبد القاهر الأساس في التفاوت والمفاضلة بين شاعرين في صورتهما، إذا تناولا معنى متحدًا، فيقسمه قسمين: قسم يكون فيه أحد الشاعرين قد أخفق في تصويره، والآخر جاء بصورة فائقة، قسم جاء فيه كل من الشاعرين في المعنى الواحد بصورة غريبة جديدة.

يقول الإمام في الشاعرين اللذين صورا معنًى واحدًا: "وهو ينقسم قسمين: قسم أنت ترى أحد الشاعرين قيمة قد أتى بالمعنى غفلًا ساذجًا وترى الآخر قد أخرجه في صورة تروق وتعجب.

وقسم أنت ترى واحد من الشاعر قد صنع في المعنى وصور.

ويعلل سر التفاوت في القسم الأول بقوله: "إما لأن متأخرًا قصر عن متقدم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015