ثم ملاءمة البيت مع البيت، ومع أبيات القصيدة، وهكذا حتى يتم النظام الهندسي الموسيقي للقصيدة، لأن الرجل مغرم في الاهتمام بالأجزاء إلا نادرًا، لاعتقاده أن استقامة الجزء، وملاءمته مع الآخر سيؤدي في النهاية إلى سلامة الإيقاع في القطع أو القصيدة 1.
واهتمام الإمام بالجزئيات في النظم دعا بعض النقاد 2 أن يقصر عنايته التامة بالجزئية فحسب، ولم يهتم بالصورة الكلية في الأدب العربي ونقده.
والحق أنه وجه اهتمامه للصورة الجزئية إلا نادرًا، وكان الدكتور نايل موفقًا حينما أثبت أن الإمام تناول الصورة الكلية في نقده قليلًا، نظريًّا وتطبيقيًّا، ومن أراد تفصيلًا فليرجع مشكورًا إلى كتابه دفعًا للإطالة 3.
والذي أحب أن أذكره هنا ما أشار إليه الإمام من العناية بالصورة الكلية في قوله:
"واعلم أن من الكلام، ما أنت ترى المزية في نظمه الحسن، الأجزاء من الصيغ تتلاحق، وينضم بعضها إلى بعض، حتى تكثر في العين، فأنت لذلك لم تكبر شأن صاحبه ولا تقضي له بالحذق، والاستاذية، وسعة الذرع، وشدة المنة، حتى تستوفي القطعة وذلك ما كانت من الشعر في طبقة ما أنشدتك من أبيات البحتري 4:
بلونا ضرائب من قد نرى ... فما إن رأينا لفتح ضريبا
إلخ الأبيات 5.