ومن الصور الكلية التى تناولها أيضًا قول ابن الرومي:
خجلت خدود الورد من تفضيله ... خجلًا توردها عليه شاهد
لم يخجل الورد المورد لونه ... إلا وناحله الفضيلة عاند
للنرجس الفضل المبين وإن أبي ... آبٍ وحاد عن الطريقة حائد
وفضل القضية أن هذا قائد ... زهر الرياض وأن هذا طارد
شتان ما بين اثنين هذا موعد ... بتسلب الدنيا وهذا واعد
ينهى النديم عن القبيح بلحظه ... وعلى المدامة والسماع مساعد
اطلب بعقلك في السماع سميه ... أبدًا فإنك لا محالة واحد
والورد إن فكرت في اسمه ... ما في الملاح له سمى واحد
هذي النجوم هي التي ربيتها ... بحيا السحاب كما يربى الوالد
فانظر إلى الأخوين من أدناهما ... شبهًا بوالده فذاك الماجد
أين الخدود من العيون نفاسة ... ورياسة لولا القياس الفاسد
وترتيب الصفة في القطعة أنه عمل أولًا على قلب التشبيه فشبَّه حمرة الورد بحمرة الخجل، ثم تناسى ذلك وخدع عنه نفسه، وحملها على أن تعتقد أنه خجل على الحقيقة، ثم لما اطمأن ذلك في قلبه، واستحكمت صورته طلب لذلك الخجل علة، فجعل علته أن فضل على النرجس، ووضع في منزلة ليس يرى نفسه أهلًا لها، فصار يصوب من ذلك ويتخوف عقيب الغائب وغميرة المستهزي وتجد ما يجد من مدح مدحه يظهر الكذب فيها، ويفرط حتى تصير كالهزء بمن قصد بها، ثم زادته القطنة الثاقبة الطبع المثمر في سحر البيان، ما رأيت من وضع وحجاج في شأن النرجس، وجهة استحقاقه على الورد فجاء يحسن وإحسان لا تكاد تجد مثله إلا له1.