وليست هذه الآراء هنا محل مناقشة فقد توقشت قل ذلك، والذي يعنينا منذ هو اتجاه ابن رشيق: والآراء السابقة في النص تحدَّد اتجاهه عن طريق النفي والسلب، فهو يستعرض مذاهب العرب في اللفظ والمعنى، لينفيها عن "جهته"، ويبني رأيه على نقائضها، فيكون من أنصار اللفظ والمعنى معًا: "النظم".

ويرى أن الصورة في الشعر أو للنظم، تقوم على العلاقة بين اللفظ والمعنى، فلا اللفظ ينهض بالصورة والجمال، ولا المعنى كذلك، كالإنسان الحي، فكلاهما يسقط بسقوط الآخرن ويسمو بسموه يقول:

"اللفظ جسم وروحه المعنى، وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم، يضعف بضعفه ويقوى بقوته"1.

ولو اختلَّ التركيب في الشعر بعض الخلل، واستقام المعنى، هوى ركن من أركانه لا يقوى إلا به، كالعرج والشلل الذي يغض من تمام الخلقة وكمال الجسم، ويظل صاحبه حيًّا يتحرك هنا وهناك، وكذلك الأمر في ضعف المعنى، ينال من جمال اللفظ، ويكون النظم أشبه بالجسم الأجوف الفارغ الذي لا روح فيه، يقول ابن رشيق:

فإذا سلم المعنى واختلَّ بعض اللفظ، كان نقصًا للشعر، وهجنه علية، كما يعرض لبعض الأجسام من العرج والشلل والعور، وما أشبه ذلك، من غير أن تذهب الروح - وكذلك إن ضعف المعنى، واختلَّ بعضه، كان اللفظ من ذلك أوفر حظًّا، كالذي يعرض للأجسام من المرض بمرض الأرواح" 2.

ويقرد ابن شيق أساسًا قويًّا، لم يسبق إليه، في فهمه للنظم، وتقديره للصورة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015