"للناس فيما بعد آراء ومذاهب، منهم من يؤثر اللفظ على المعنى، فيجعله غايته ووكده، وهم فرق:

"أ" قوم يذهبون إلى فخامة الكلام وجزالته على مذهب العرب، من غير تصنيع كقول بشار:

إذا ما غضبنا غضبة مضربة ... هتكنا حجاب الشمس أو قطوت دما

إذا ما أعرنا سيدًا من قبيلة ... ذُرى منبر صلى علينا وسلما

وهذا النوع أدل على القوة، وأشبه بما وقع فيه من موضع الافتخار ...

ب وفوقه هي أصحاب جلبة وقمقمة بلا طائل إلا القليل النادر كأبي القاسم ابن هانئ، ومن جرى مجراه، فإنه يقول:

أصاخت فقال وقع أجرد شيظم ... وشامت فقالت لمع أبيض مخذم

وما ذعرت إلا لجرس حليها ... ولا رمقت إلا يرى في مخدم1

وليس تحت هذا كله إلا الفساد وخلاف المراد.

جـ- ومنهم من ذهب إلى سهولة اللفظ، فعنى بها، واغتفر له فيها الركاكة واللين المفرط، وهم يرون الغاية في قول أبي العتاهية:

يا إخوتي إن الهوى قاتلي ... فيسروا الأكفان من عاجل

ولا تلوموا في اتباع الهوى ... فإنني في شغل شاغل

إلخ الأبيات.

ومنهم من يؤثر المعنى على اللفظ، فيطلب صحته، ولا يبالي حيث وقع من هجنة اللفظ وقبحه وخشونته.

وأكثر الناس على تفضيل اللفظ على المعنى" 2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015