والمنطق المرشح قد هذب كل التهذيب وثقف غاية التثقيف، وجهد فيه الفكر، وأتعب لأجله الخاطر، حتى أضحى ببراءته عن المعايب، واحتجز بصحته عن المطاعن، ثم تجد لفؤادك عنه نبوة، وترى بينه وبين ضميرك نجوة"1.

ثم يضرب صورة للمصنوع المثقل بالألفاظ، والبدائع، من البيان، بشتى ألوانها، ويضرب صورة أخرى لما هو دون ذلك في الاهتمام، من لفظ سهل قريب المأخذ، ونظم خالٍ من الصنعة، يكاد يخلو من البيان والبديع، ومع ذلك لا تجد الصورة الأولى طريقها إلى القلب، وتجد الثانية في سحر وبراعة، وتستريح إليها النفس، وتغتريها من الغنوة والطرب، ما يجعلها للثانية، وتقتر من الأولى وتضعف، يقول القاضيك "وقد تنزل أبو تمام فقال:

دعنى وشرب الهوى يا شارب الكاسي ... فإنني للذي حسيته حاسي

لا يوحشنك استسجت من سقمي ... فإن منزله من أحسن الناس

من قطع أوصاله توصيل مهلكتي ... وصل ألحاظه تقطيع أنفاسي

متى أعيش بتأمل الرجاء إذا ... ما كان قطع رجائي في يدي باسي

فلم يخل بيت منها، من معنى بديع، وصفة لطيفة، طابق وجانس، واستعار فأحسن، وهي معدودة من المختار من غزله -وحق لها- فقد جمعت على قصرها فنونًا في الحسن، وأصنافًا من البديع، ثم فيها من الإحكام والمتانة، والقوة ما تراه ولكن ما أظنك، تجد له من سورة الطرب، وارتياح النفس ما تجده لقول بعض الأعراب:

أقول لصاحبي والعيس تهوى ... بنا بين المنيفة فالضمار

تمتَّع من شميم عرار نجد ... فما بعد العنية من عرار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015