البصر. ويهدي البشر، ولا يعرف الإنسان أسراره وتركيبه، مع وضوحه وشيوعه وألفته.
وما أشبه الصورتين السابقتين بصورة رجلين، أحدهما اكتملت فيه الأعضاء وأوفت أجزاؤها على الغاية في التمام، واتسقت مقاطعة، وأصبح كل عضو فيه على حدة غاية الجمال، وثانيهما صورة رجل دون السابقة في كمال الأعضاء وتمام الأجزاء ولكنها في حسن موقع كل عضو منها وانسجام الأجزاء فيها، قد تكون أقوى من الأولى وأحظى بالحلاوة، ولا يدري المأخوذ بفتنتها لذلك سببًا، ثم يشير أخيرًا إلى صدق العاطفة في الصورة وقوتها حيث تلقي موقعها من القلب وتسرع إلى النفس، وهو عنصر هام في نجاح الصورة الشعرية.
يقول القاضي الجرجاني:
"وأنت قد ترى الصورة تستكمل شرائط الحسن، وتستوفي أوصاف الكمال وتقف بالتمام بكل طريق، ثم تجد أخرى دونها، وفي انتظام المحاسن والتئام الخلقة وتناسب الأجزاء وتقابل الأقسام، وهي أحظى بالحلاوة، وأدنى إلى القبول وأعلق بالنفس، وأسرع ممازجة للقلبن ثم لا تسلم، - وإن قايست واعتبرت ونظرت وفكرت - لهذه المزية سببًا، ولما خصَّت به مقتضيًا، ولو قيل لك كيف صارت هذه الصورة، وهي مقصرة عن الأولى في الإحكام والصنعة، وفي الترتيب والصبغة، وفيما يجتمع أوصاف الكمال، وينتظم أسباب الاختيار أحلى وأرشق وأحظى وأوقع، لأقمت السائل مقام المتعنت المتجانف، ورددت ردّ المستهجم الجاهل، ولكن أقصى ما في وسعك، وغاية ما عندك، أن تقول موقعة في القلب ألطف، وهو بالطبع أليق ... كذلك الكلام منثورة ومنظومة، ومجمله ومفصله تحد منه المحكم الوثيق، والجزل القوي والمصنع المحكك،