وليس الحسن مقصورًا على البديع، ولا الرونق للتصنيع فحسب ولكن لا بد من التهذيب فيهما، والتثقيف لهما، والترشيح لمنطقها يقول:
"ولا الحسن إلا ما أفاده البديع، ولا الرونق إلا ما كساه التصنيع" ولكن لا بد أن "نجد منه الحكم الوثيق، والجزل القوي، والمصنع المحكك، والمنطق الموشح، قد ذهب كل التهذيب، وثقف غاية التثقيف 1".
هذه هي الصورة الحقة عند القاضي، وذلك هو النظم القوي الموحي، والتأليف الرائق الخلاب، وبه يفوق بين الشعر المطبوع والمصنوع، ثم يقول: إن هذا الحسن في النظم والجمال في تصويره والمعنى لا نهاية له "ولو احتمل مقدار هذه الرسالة استقصاءه، واتسع حجمها، للاستيفاء له، لاسترسلت فيه ولأشرفت بك على معظمه 2 ".
رابعًا: ليس من الضروري في كل نظم أن تكون ألفاظه رصيفة جزلة، ولا أجزاء الصورة قوية تخمة تشتمل على استقصاء ألوان البديع، واستقطاب جموع التصنيع لتستكمل شروط الإحسان، وتستوفي كل كمال، ليس من اللازم هذا كله في الصورة الأدبية، فقد يلج الشاعر المصور، والعبقري البارع صورة لا تستوفي أسباب الكمال للمسابقة، فألفاظها سهلة التناول، مألوفة الأخذ، لا تشتمل على حشد من الاستعارات، وقلما تجد فيها بديعًا، أو اتفاقا في الصنعة، ولكن الشاعر يبثها سره، وينفث فيها من سحره، ويبعث فيها الجلال الذي هو أسمى من الجمال، وهنا يعجز الإنسان عن إدراك كل أسبابه، وإن أدرك البعض فقد لا يعرف له سببًا، لا يستطيع أن يستوفي موارد السحر الحلال، ولا يتمكن من نفسه إلا شيء واحد، وهو أثر الصورة فيها، وعلوقها بقلبه كالنور الذي يبهر