آنذاك- ومعلوم إذا أطلق لفظ الصناعة في الكلام، إنما يتجه إلى الصياغة والتصوير، لأن زهيرًا ومن اعتنق مدرسته كانوا يعكفون على القصيدة حولًا كاملًا- حتى سميت القصائد بالحوليات فيتميز اللفظ ويوضع مكانه لفظ آخر، أو يعدل الأسول، أو تضاف استعارة، أو يحذف تشبيهه ويستبدل بآخر، وهكذا، ومثل هذا الصنيع، يجعلنا تحكم على المدرسة بأنها تهتم بالصياغة والصورة، ليشرف المعنى ويقول الجاحظ:

"ومن شعراء العرب، من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولًا كريتًا، وزمنًا طويلًا، يردَّد فيها نظره، ويجيل فيها عقله، ويقلب فيها رآيه اتهامًا لعقله وتتبعًا على نفسه فيجعل عقله زمامًا على رأيه، ورأيه عبارًا على شعره، إشفاقًا على أدبه، وإحرازًا لما خوله الله من نعمته، وكانوا يسمون تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات، ليصير قائلها حذيذا وشاعرًا مفلقًا" 1.

لذا يقول الدكتور خفاجي: "وكان ارتباط الشعر الجاهلي، بالغناء ورغبة بعض الشعراء في التجويد والتجديد في المعاني من أسباب نشأة هذه المذهب الفني"3.

وقال أيضًا: "كان زهير بن أبي سلمى يسمى كبار قصائده بالحوليات، ولذا قال الحطيئة خير الشعر الحولي المحكك، وقال الأصمعى: زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جود في جميع شعره، ووقف عدد كل بيت قاله وأعاد فيه النظر، حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجردة" 3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015