مفهوم الصورة في العصرين الجاهلي والإسلامي:

يكون من الصعب قبل عصر التدوين أن نقف بدقة على مدى الفهم للصورة الأدبية في العصر الجاهلي وفي بداية عصر الإسلام، لأن تعليقاتهم الموجزة على الشركات في الغالب غير مدونة، فأصبحت عرضة للضياع، فإذا كان الشعر قد ضاع معظمه، ولم يبق إلا أقله، وليس هو مظنة الضياع، لتمكنه من النفس والعقل معًا، فكيف بالنثر الذي قيل حوله، ولو انتهى إلينا خبر عن بعض النقاد في العصر الجاهلي يبين مدى اهتمامه بالصياغة والصورة فقد يتسرب الشك فيه وفي نقله، كما حدث فيما ورد عن النابغة الناقد في سوق عكاظ تحت القبة الحمراء، ليصدر حكمه في شعر وقع لمشاهير ثلاثة الأعشى والخنساء وحسان، قد فاضل بينهم على الترتيب السابق، فسأله حسان عن سرّ تفوق الخنساء عليه، وهي في نفس الوقت دون الأعشى في الحكم، فقال النابغة لحسان: "قلت: الجفنات، وهي جمع قلة لو قلت: الجفان، لكان أفضل، وقلت: يلمعن، واللمعان يختفي ويظهر، ولو قلت يشرفنَ لكان أفضل وقلت بالضحى، وكل شيء يلمع في الضحى، ولو قلت بالدجى لكان أفضل، وقلت يقطرن، ولو قلت يجرين، لكان أفضل.

كان مثل هذا يحدث من نوابغ الشعراء النقاد كالنابغة، حين أظهر اهتمامه بالصياغة، واختيار الصورة المناسبة للمعنى الذي عبر عنه حسان، ووضح في المحاورة النقدية التي تمت بينهما ما هبط فيه شعر حسان، وكشف النابغة عن أسرار الضعف في اختيار الألفاظ غير الملائمة للمعنى، مما أدَّى إلى نزول شعره إلى المرتبة الثالثة.

ويزيد من اهتمام النقاد في العصر الجاهلي بالصورة وللصباغة، ما اتجه إليه بعضهم من الصناعة الشعرية، كزهير بن أبي سلمى، زعيم مدرسة الصنعة في الشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015