لهذا كله كان النقاد في العصر الجاهلي، يحكمون على الشعراء بمقدار جودتهم في الصياغة، ويصفونهم حسب أسلوبهم وتصويرهم، فيقولون: إن ربيعة بن عيد كان يسمى المهلهل، لأنه أول من هلهل الشعر وأرقه1، وكذلك المرقش لتحسينه شعره وتنميقه3، وكذلك قالوا: الأفوه، والمثقب، والمنخل، وسموا القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات 3.

وبدل هذا على اهتمام مدرسة الصنعة بالأسلوب والصياغة، وعنهما كانت الصورة الأدبية بعد ذلك وهكذا استمر مذهب التثقيف وطول التهذيب مذهبًا فيما يسير عليه بعض الشعراء حتى بعد العصر الجاهلي وكان أساسًا لمذهب البديع الذي نشأ على يد مسلم وأبي تمام من المحدثين 4. وقد غالى من رمي الشعر الجاهلي كله ونقده بالشك وعدم صحة الإخبار عنه5 ولست معهم في هذا الشك المطلق، ما دام هناك في الأدب العربي صناعة شعرية، وللصناعة في أي فنّ، مادة وشكل، ومعنى وصورة.

لذلك تجد ذا الرمة الشاعر الإسلامي، يعجب بالصورة والشكل في أبيات للكميت ولم يصرح بهذا اللفظ، وإن ذكر خاصة تتصل بالصورة لا المعنى قال: "أحسنت ترقيص هذه القوافي" 6.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015